قدم رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي أمس استقالته إلى الرئيس منصف المرزوقي، بعد فشل مشاوراته مع الأحزاب لتشكيل حكومة كفاءات بهدف إنهاء الأزمة السياسية المتفاقمة منذ اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد قبل أسبوعين. وقال الجبالي، بعد لقائه المرزوقي مساء أمس، إنه قدم استقالته، مشدداً على أنه لن يقبل خوض تجربة حكومية جديدة إلا بعد تحديد موعد للانتخابات وكتابة الدستور، ما يعقد الأزمة السياسية في البلاد ويضع «حركة النهضة» الإسلامية الحاكمة وحليفها «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية» أمام استحقاق صعب لبناء توافق، خصوصاً أنهما كانا يقودان جبهة رفض مبادرة الجبالي. وودّع الجبالي صباح أمس مجلس الوزراء وطلب من أعضائه «تصريف الشؤون اليومية». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول في «النهضة» قوله ان استقالة الجبالي «للوفاء بوعده بالرحيل» في حال فشل مبادرته. لكنه رأى أن «لا شيء يمنع إعادة تكليف الجبالي بتشكيل تحالف حكومي جديد». وشهد اللقاء الأخير الذي عقده الجبالي مع رؤساء الأحزاب تبايناً في وجهات النظر بين رئيس الحكومة ومسانديه من المعارضة من جهة، و «النهضة» وحليفها حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» من جهة أخرى، إذ رفض الأخيران في شدة اقتراح الجبالي تشكيل حكومة كفاءات. وأجرى المرزوقي مساء لقاءات مع الأحزاب في القصر الرئاسي في قرطاج للتشاور في شأن الوضع الراهن. وقال مصدر في القصر ل «الحياة» إن «النية تتجه إلى أن يعيد الرئيس تكليف الجبالي بتشكيل حكومة على أسس جديدة وبتوافق وطني أوسع من المرة الأولى، أو رفض استقالته والسماح له بمواصلة مشاوراته في شأن التعديل الوزاري». ورغم تقارير وسائل إعلام محلية عن أن «النهضة» سترشح وزير الصحة الحالي عبداللطيف المكي لخلافة الجبالي، إلا أن هذه الفرضية تبقى مستبعدة خصوصاً أن إعلان مبادرة الجبالي بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد أحدث انقساماً في «النهضة» تسعى إلى رأب صدعه حالياً، وليس من مصلحتها التضحية بالجبالي الذي لا يزال يحتفظ بوزن لا بأس به داخلها. غير أن إعادة تكليف الجبالي تعيد زمام المبادرة إلى «النهضة»، فهو آنذاك سيصبح رئيس الوزراء المكلف الذي رشحته الغالبية النيابية ولن يمتلك القوة المعنوية والمبادرة التي تمكنه من التشاور والتصرف بعيداً من إملاءات الحركة وشروطها. لكن هذا الانتصار للحركة يبقى محدوداً، خصوصاً أن تأمين توافق وطني على تشكيل الحكومة المرتقبة لن يكون شاملاً من دون تلبية طلبات المعارضة المتمثلة في تحييد الوزارات السيادية. وقال الناطق باسم «الحزب الجمهوري» المعارض عصام الشابي ل «الحياة» إن حزبه «منفتح على التشاور مع من سيكلفه رئيس الجمهورية تشكيل حكومة جديدة ومستعد لدعم أي حكومة تخرج بالبلاد من الأزمة». لكنه شدد على أن «المعارضة تتمسك بحد أدنى وهو تحييد وزارات السيادة».