نحن نسير في الطريق إلى التفريق بين الرأي وإصدار الأحكام، بين حق الفرد وحق الجماعة، بين القوانين والأعراف. هذا التفريق الذي لم يكتب له النجاح في الواقع، بدا يلوّح بنجاحه في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ليس كل شيء مفروضاً سلفاً. الخوف من الإفصاح عن فكرة ما، أو ممارستها على الملأ - لأن الإرهاب الفكري سيصدر حكم النفي ولن يرحم - تبدد عند البعض. مواقع التواصل الاجتماعي ومنها «تويتر» و «فيسبوك» حوّلت السعودية إلى عالم واحد متواصل. ربطت أصحاب الاهتمامات أو الرغبات أو الميول المتقاربة على رغم اختلاف الثقافات والأصول وبُعد المسافات. جعلت الفصل بين الذكور والإناث أمراً صعباً، بل ربما مستحيلاً. جعلت البحث عن وجه الحقيقة الآخر لكل شيء لا يُكلف سوى اختيار المفردات، والاستمرار في البحث والقراءة، واختيار المهتمين بالمبدأ ذاته (البحث عن الوجه الآخر للحقيقة). صوت من لا صوت له، بدأ في الظهور، تدريجياً. ربما لا يزال ذلك الصوت غير مسموع، لكنه موجود بهدوء في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث التفكير بحرية كاملة ليس تهمة. يقول ما يريد، ويتواصل مع من يريد. هرب من التواصل بالواقع الذي «ينفيه»، ومن بينه بيته ربما، إلى التواصل بمن يشبهه أو لا يُرهبه بإصدار الأحكام عليه. كان يعيش في الواقع وحيداً. هرب إلى واقع يُشكل فيه رفاقه بنفسه، ليشعر أنه ليس وحيداً. منهم – رفاقه - الذكور ومنهم الإناث. منهم من يعيش في أقصى الشرق، ومنهم من يعيش في أقصى الغرب. منهم من يشاركه الطموح والتطلعات وينفخ فيه الحرية والإرادة، ومنهم من يختلف عنه، لكن لا يصادر رأيه. من سيراقب من؟! ماذا يفعل المعترضون الذين يجسّدون الحقيقة الجازمة الكاملة من منابرهم أو منابر مريديهم - على «فيسبوك» أو «تويتر»؟ ماذا يفعلون للفرد الذي لم يعتد على حق غيره، ولا يُحب أن يشاركهم أفكارهم ولا آراءهم، بل لا يسمح لهم بالتواصل معه حتى، لأنه يخفي اسمه واسم قبيلته أو عائلته؟ هل يفكّرون في هذا، وهم يطلقون رصاصاتهم عشوائياً هنا وهناك، حتى على المراهقين الذين هم بطبيعتهم البيولوجية والنفسية متمردون؟ الثقافة التي تقوم على التفسيق والتفسيد والتكذيب ليست إلا إرهاباً. يبدأ هذا الإرهابُ من متبوع، ثمّ يتبعه التابعون أو المعجبون. لاحقوا من تلاحقون. مواقع التواصل الاجتماعي ثورة على الانغلاق، للتو بدأت، ولن تنتهي. [email protected]