«الخزين» شاب تخرج في الجامعة وأكمل عام الخدمة الإلزامية التي تعنى بحسب نظام الخدمة في وطنه «المعطاء»، أول ضريبة وطنية يدفعها الشاب مقابل مبلغ «زهيد» لا يكاد يسد الرمق، ولكن تجده فرحاً مسروراً يمارس عمله بهمة ونشاط، خصوصاً وهو في مقتبل العمر وأكثر نشاطاً وحماسة للعمل. وبعد مضي العام يُعطى الشاب «صك» براءة ذمة، كما يُعطى حرية العمل داخل الوطن وخارجه. كان «الخزين» من الشبان الذين آلوا على أنفسهم ألا يخرجوا من وطنهم، وأن يرضى بالعمل في المجال الذي دخل من أجله الجامعة وتخرج فيها، وظن (وبعض الظن إثم) أن أبواب العمل ستفتح أمامه على مصراعيها فور خلو طرفه من الخدمة «الإلزامية» وتقديمه لأوراقه، خصوصاً أنه تخرج بتقدير ممتاز وكان من الأوائل في دفعته. جهز «الخزين» «الملف الأخضر» وطفق يطوف بالشركات العامة والخاصة، وأصبح كلما قدم أوراقه لوظيفة تعود «شبكته» خالية بلا صيد، ومضى على هذا الحال أكثر من ثلاثة أعوام، رأى خلالها أصنافاً من التبكيت والتنكيت من زملائه الذين كانوا يطلبون منه، إبان أعوام التحصيل العلمي، أن ينضم معهم عضواً في حزبهم، وهم «اليوم» تسنموا مناصب عُليا في «الدولة» ولم يكونوا يمتازون عليه بشيء سوى أنهم كانوا منضوين تحت لواء الحزب الذي هيمن على السلطة منذ ذلك العام الذي ولد فيه المثل الشهير «أذهب أنا إلى السجن حبيساً وتذهب أنت إلى القصر رئيساً». لم يجد «الخزين» بُداً من التفكير في الهجرة في مناكب أرض الله الواسعة، بعد أن ضاقت به الأرض بما رحُبت، وحفيت قدماه من البحث عن العمل في وطنه الذي كان لا يرغب في مغادرته وكانت وجهته البلاد الطاهرة التي تحتضن الحرمين الشريفين. عندما استقبله صديقه في مطار الملك عبدالعزيز الدولي (جدة) بادره بالسؤال البدهي: «لماذا خرجت من وطنك؟ وبحسب علمي أنك كنتَ من الذين يُصرُّون على عدم الخروج من «البلد»، بل كنت ترى في تصرفنا، نحن الذين خرجنا، عقوقاً للوطن الذي له في دم كل حرٍ يدٌ سلفت ودينٌ مستحق». قال:»نعم له في دمنا تلك اليد، وذلك الدَيْن، ولكني خرجتُ من أجل «الهمر» و»القمر» ولعل دعوة والدتي تتحقق! لم يفهم صاحبه القصد، وطلب منه المزيد من الشرح، استطرد قائلاً: «سمعتُ أن العمل في السعودية متوافر والعائد مجزٍ وفوق ذلك قد يحالف (المغترب) الحظ في إحدى المسابقات فيكسب (شيئاً) يُغيِّر مجرى حياته، ألا تعلم أن زميلنا طه الذي سافر إلى السعودية بمهنة عامل كسب في إحدى المسابقات مركبة من نوع «همر» غيرت مجرى حياته؟ وقد أكون «أنا» من المحظوظين وأفوز بمثلها. قلت: فماذا عن «القمر»؟ ودعوة والدتك؟ قال ذلك أمرٌ سأخبرك عنه في ما بعد. عمل الشاب في إحدى المؤسسات التي استقدمته للعمل، وقابله صديقه بعد أعوام عدة وسأله عن أحواله فقال: «الحمد لله العمل تمام. وقال: ماذا عن «الهمر»؟ قال: لم أدخل في «مول» من «المولات» المنتشرة وأجد فيه مركبة بكامل زينتها معلقة عند مدخله ومكتوب عليها»هذه لك» (4U) أو «حظاً سعيداً» (Good Luck) إلا حسبتها رسالة موجهة لي، وبادرت بالمشاركة في مسابقتها، وظللت أتردد على اللوحات الإعلانية المعلقة أبحث عن اسمي بين الفائزين ولكني لم أجده ولن أترك لليأس طريقاً إلى نفسي المتعطشة للفور بالجائزة ولكن آمالي تقلصت حتى تمنيت أن أفوز بقارورة «صحة» أفك بها هذا «النحس». قال له صديقه: وماذا عن «القمر»؟ قال: «القمر» يا صاح هي حبيبة العمر (نُهى) زميلتي في الجامعة، التي منيت نفسي بالزواج منها ووعدتها بدخول «العُش» السعيد بعد «التخرج»، ولكنها عندما تيقنتْ من «سوء» حظي في العمل في الداخل، ومطالبات «الحكومة» وطلبات الأهل والأصدقاء التي استنزفت كل مدخرات «الخارج» أرسلتْ لي خطاباً تعتذر فيه مني وتطلب السماح لها بالزواج، متمنية لي حظاً سعيداً. وبذلك طار مني «القمر» ومازلت أنتظر «الهمر» على أحر من الجمر. وفي مخيلتي دعاء أمي: «أسأل الله يا بُنَّي أن يجعلك من أهل الحظوظ يخدمونك أهل العقول، ولا تصير من أهل العقول تخدم أهل الحظوظ». [email protected]