في مؤسساتنا الحكومية وأجهزتنا الخدمية تشاهد - بمرارة وبلا حاجة إلى إنهاك التفكير - أن ثمة من يصعد ب«سعادة الكرسي» للقمة، وهناك من يحملهم الأخ غير الصديق «الكرسي» إلى الأعلى. فئة الصاعدين بسعادته يكون حضور العقل لديهم عالياً، وعاطفتهم متوافرة بتوازن، ولديهم رصيد هائل من المهارات الإدارية والإنسانية التي تتركهم متوهجين بدرجة تستدعي الاهتمام وتجلب الانتباه، وهؤلاء أكثر ما أخاف عليهم تنامي الطفيليات من فصيلة البطانة الفاسدة، حين يقتربون من الكرسي بدعوى المصلحة العامة، وميزة هذه الطفيليات رغبتها في أن تكون كل شيء، وادعاؤها فعل أي شيء، وهي في حقيقة الأمر «لا شيء». فئة الصاعدين به إن غادروا الكرسي استمر محبوهم في التواصل معهم، وظلت علاقاتهم كما هي، من دون تزوير ولا تحوير. التقدير الذي فازوا به مبني على تقدير العقل واحترام الذات، يشبهون بعد المغادرة الأغاني الجميلة حين لا تمل من سماعها، ولا ترميم الذاكرة بها، أو لكي لا تُهمش المقالة من مدققين محتسبين بحجة هذا السطر، فهم أشبه بعودٍ زاده الإحراق طيباً. فئة الهابطين بالكرسي أو الصاعد بهم «فئة» تأتي دوماً إما إلى المكان بأقدمية السن أو بالتطبيل الشعبي، وإما بالنفاق والتلميع، وإما عبر الفيتامين المحلي الأَشْهر، القبيلة ومشتقاتها من النسب والقربى، هؤلاء يَصِلون للكرسي، لأنهم ينفذون ولا يفكرون، يفعلون ما يقال لهم، ولا يقولون إلا ما يحلو لغيرهم، يكون حضورهم وتظل شعبيتهم ما ظلوا ملتصقين بالكرسي، يعشقون الكرسي، ويبذلون المستحيل لأجله، حين ينفك عنهم ويحدث الفصل السيامي يصبحون مثل فيلم سينمائي يكفي أن تشاهده مرة واحدة، تظل أمانيهم محصورةً في نوعية الكرسي الدائري؟ وكم صحيفة تأتي لسعادتهم؟ وما السيارة التي تمنحها لهم مؤسستهم، وكيف يكونون أقوياء عنيفين ذوي شخصية مستقلة، من دون أن يجتهدوا لحظة واحدة في ملء الفراغ الساكن في أدمغتهم، لا يؤمنون بأن رأيهم في أنفسهم أهم من رأي الآخرين فيهم، حركتهم مغرورة ومحفوظة، لكنهم على الصعيد العام واقفون في أمكنتهم بخبرة ثابتة وعقلية متغطرسة ونطاق تفكير ضيق لا يتجاوز حدود ملعبهم. الفئة الأولى تعترف بإمكاناتها وتحترم إمكانات من معها وتدرك أنه لا نجاح من دون معاونين، والأخرى تغتر بإمكاناتها وتهمش إمكانات من معها، وترى أن النجاح خُلق وسيُخلق على يديها. سعادة الكراسي تحمل البالونات للأعلى، تمنحها «نظارات شمسية» حتى في المساء فتنعدم لديها الرؤية وتكذب عليها في النهار بشيء من البهرجة والجمل المنافقة القادمة من الطفيليات المنتظرة لهذا الكرسي ومستعدة لتقديم أي شيء لإزاحة من يجلس عليه. من يحملهم الكرسي فتش عن جيوبهم، ركز على تفكيرهم، واسألهم عن تعريفهم لأنفسهم، ثم اعرف من يحبهم ومن يكرههم ولماذا؟ أما الذين يحملون الكرسي فاقترب من قلوبهم، واستنر بتفكيرهم، ودقق في تفاصيل حياتهم، وثق أنه لن يَكرههم إلا حاسد أو حاقد أو من أحبابنا الذين لم تحملهم الأرض فحملهم الكرسي وضحك علينا بهم، لا جعلنا الله من أولئك الذين يُحْتَرَمُونَ لأجل الكرسي ولا من المنتمين إلى فصيلة الطفيليات الحكومية ولا من الذين هم والكرسي سواء. [email protected] alialqassmi@