لا تعتبر المطالبات بإسقاط الفوائد على القروض الاستهلاكية في الكويت أمراً جديداً، فهي مثارة منذ سنوات ابتدعت خلالها الحكومة حلولاً تستجيب للمطالبات النيابية الشعبوية في هذا الصدد. فعام 2008 صدر قانون «لمعالجة أوضاع المواطنين المتعثرين في تسديد القروض الاستهلاكية والمقسطة تجاه المصارف وشركات الاستثمار»، وعام 2010 صدر قانون آخر لمعالجة تلك الأوضاع وبشروط أكثر يسراً مقارنة بالقانون السابق. ونص قانون 2010 في مادته الثانية، على تأسيس «صندوق تكون تبعيته وإدارته لوزارة المال لمعالجة أوضاع مديونيات المواطنين المتعثرين في تسديد القروض الاستهلاكية والقروض المقسطة الممنوحة لهم من الجهات الدائنة والثابتة بدفاتر الجهات المذكورة وسجلاتها في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2009، على أن يمول هذا الصندوق من الاحتياط العام للدولة». وأتاح هذا الصندوق لأي من المدينين المتعثرين الحصول على قرض من الصندوق لتسديد التزاماته تجاه الدائنين على أن يسدد قيمة القرض الحكومي من دون فوائد وعلى مدى زمني مريح على ألا يتجاوز ما يدفعه من الالتزامات، بما في ذلك قسط القرض، 50 في المئة من دخله الشهري. وتشمل الالتزامات دفعات للجهات الحكومية، مثل فواتير المياه والكهرباء وأقساط القروض الإسكانية، وربما نفقة الطلاق وخلاف ذلك من التزامات ذات صفة رسمية. وشكلت الحكومة 20 لجنة، بقرار من وزير المال، لدرس أوضاع المتعثرين وتحديد القروض المناسبة لكل منهم، ويرأس كل لجنة قاض منتدب من وزارة العدل. وتمكنت هذه اللجان من إنجاز مهماتها خلال 2011 و2012 ويقدر ما صرف من الصندوق المحدد بالقانون بما يقارب 400 مليون دينار (1.42 بليون دولار). ولا شك في أن هذه التسهيلات لم تحظ بكل الرضا من المدينين أو من أعضاء مجلس الأمة الراغبين في توظيف المال العام من أجل تحقيق مكاسب سياسية، إلا أن ما أنجز عالج العديد من المشاكل التي واجهت المواطنين الذين التزموا بقروض مهمة أدت خدمات ديونها إلى التأثير سلباً في مستويات المعيشة لديهم. ولا بد من أن تمثل هذه المطالبات صدمة للعديد من المراقبين الاقتصاديين خارج البلاد نظراً إلى الفلسفة التي تقبع خلفها لأن المطلوب أن تتولى الدولة تسديد التزامات أفراد قاموا بمحض إرادتهم بالاستدانة لمواجهة متطلباتهم الاستهلاكية وبشروط وافقوا عليها عندما طرحت عليهم من الجهات الدائنة مثل المصارف أو شركات التمويل. يضاف إلى ذلك أن العديد من المدينين اقترضوا من أجل التمتع بحياة استهلاكية مترفة مثل اقتناء سيارات باهظة الثمن أو القيام برحلات سياحية، كما أن القروض قدمت من جهات التمويل بناء على دراسات لأوضاع المقترضين الذين قدموا شهادات رواتب ومداخيل والتزموا بتحويل الرواتب وغيرها من مداخيل لحساباتهم لدى المصارف الدائنة. وتؤكد دراسات، ومنها دراسة لاتحاد مصارف الكويت، أن غالبية المدينين يؤدون الالتزامات والأقساط من دون تعثر، وأن نسبة التعثر من القروض لا تتجاوز نسبة 1.8 في المئة وهي نسبة متدنية بموجب المعايير الدولية. وأشار عدد من أعضاء مجلس الأمة المطالبين بإسقاط الفوائد إلى أن المصارف ارتكبت تجاوزات في تحديد أسعار الفائدة ودفعت المقترضين إلى التوقيع على عقود إذعان نمطية من دون تمكين هؤلاء المقترضين من التحقق من الالتزامات الواردة فيها. لكن المصارف أكدت أن عملها يخضع لرقابة مصرف الكويت المركزي وأن كل القروض تراجع دورياً من قبل أجهزة الرقابة في المصرف، كما أن أسعار الفائدة تحتسب على قيمة القروض المتناقصة وعلى أساس سعر الحسم المحدد من المصرف المركزي وتضاف إليها نسبة معقولة لتغطية تكاليف التمويل والإدارة، كما هو متعارف عليه في الأنظمة المصرفية في العالم. ولا يبدو أن المطالبات الشعبوية تحظى بتأييد شعبي واسع عندما يطالب كثيرون بأن تتحمل الدولة تكاليفها، فذلك يطيح بمبادئ العدالة لأن كثيرين من الكويتيين لم يقترضوا من المصارف، كما أن جل المقترضين يؤدون التزاماتهم من دون مشاكل. وهناك من يشير إلى أن الخضوع لهذه المطالبات سيؤدي إلى الإخلال بالنظام القانوني ويعزز منظومة قيم اتكالية على كل المستويات ويعطل الالتزامات الشخصية التي يتحملها الأفراد بمحض إرادتهم. لا يبدو أن الحكومة الكويتية ستقبل بهذه المطالبات غير المنطقية مهما قدم أصحابها من دفوع، وهي ستقدم تسهيلات من خلال صندوق المتعثرين، السابقة الإشارة إليه، وربما ستعمل على خفض نسبة التزامات التسديد الإجمالية لأي مقترض يتقدم إلى الصندوق إلى 30 أو 40 في المئة بدلاً من 50 في المئة. المطلوب الآن هو تطوير منظومة تمويل استهلاكي مختلفة توجب تحديد الغرض من الاستدانة والتأكد من الجدارة الائتمانية للمقترض وتعزيز المسؤولية الخاصة في شأن التسديد. وآن الأوان لوضع حد للشعور بأن الدولة ستعوم كل من يتورط بالتزامات تفوق إمكانياته، ولوقف المحاولات السياسية للتكسب على حساب المال العام في شكل أو بآخر. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - الكويت