كرة ثلج تتدحرج، تحولت على مدى سنوات أزمة غير منطقية. أسبابها، بحسب بعض المراقبين، هي الرغبة المفرطة في الرفاهية، في حين يرى بعض آخر أنها تكمن في غياب الرقابة الحكومية على مصارف تتنافس في تسهيلاتها المغرية. إنها أزمة القروض الشخصية في الكويت التي بدأت كطقس يومي ثم تحولت إلى أزمة هي الأشد خليجياً، حتى أطاحت أحد مجالس الأمة وما زالت تثير الزوابع في كل مجلس جديد. فالجميع يريد تسجيل موقف شعبي إما باسقاط القروض عن المواطنين جملة وتفصيلاً من خلال شراء الحكومة مديونياتهم أو إسقاط فوائدها، مقابل رفض يرى في ذلك انعداماً للعدالة والمساواة. في الكويت، البلد الغني، يستلف المواطن من أجل رحلة سفر، أو من أجل تجديد أثاث منزله أو سيارته، وربما من أجل عملية تجميل أو تكميم معدة، مقابل مواطن آخر يقترض لبناء منزل أو توفير تكلفة علاج. يقول أحمد الشمري: «نعم، اقترضت مبلغاً كبيراً من أحد المصارف لسداد تكلفة رحلة سياحية إلى فرنسا، فأطفالي يريدون السفر كغيرهم، وإمكاناتي المادية لا تكفي. واليوم ما زلت أسدد قيمة القرض وفوائده». أما مريم سند فتعترف بدورها بأنها تقترض لتعيش حياة تتناسب مع متطلبات المجتمع ولكنها تسدد قروضها بالتعاون مع زوجها. وتتحمل لولوة عبدالله ضغوطاً كثيرة لأن المصارف تلاحقها وزوجها لتسديد القروض المستحقة «لأن الراتب لا يكفي» حسبما تقول. ولا يختلف وضع أمل محمد عن غيرها، فهي اقترضت مبلغاً كبيراً لتجديد أثاث منزلها وتسجيل أبنائها في أرقى المدارس الأجنبية، لكنها اليوم عاجزة عن السداد وتأمل كغيرها من المقترضين المتعثرين بإسقاط القروض عنهم «فالعشم بمجلس الأمة الجديد» كما تقول. إنه شباب كويتي يدور في عجلة الديون والقروض ولا يقوى على مقاومة إغراءات مصرفية، منها ما يسمى ب «القرض المدلل» وهو قرض يغري العميل بالحصول على أكبر مبلغ مالي ممكن وبأطول فترة سداد بضمان كل ما يملكه العميل. ولا يقتصر ذلك على راتبه الشهري فحسب، بل يشمل كل ما يملكه من عقارات وأراض وأملاك وغيرها. يقاس على ذلك عروض منافسة بتسميات مختلفة تنتهي في مجملها بغيمة سوداء تكمن بإعلان وزارة العدل الكويتية في آخر إحصائية لها عن وجود نحو 52 ألف و708 أمر منع سفر، غالبية من تشملهم مدينون، وأكثر من 26 ألفاً صدر بحقهم طلب إحضار مدين لينظر القضاء في شأنهم وفق آخر إحصائية لإدارة تنفيذ الأحكام لعام 2012. وتبين إحصائيات التوزيع الجغرافي للمدينين المطلوبين للضبط والإحضار امام العدالة أن عدد المطلوبين الكويتيين أكثر من عدد غير الكويتيين، أي أن هناك نمواً في ظاهرة الاقتراض الشخصي والتعثر في سداد الديون، ما يقود إلى تداعيات كثيرة، كمنع سفر الكويتي أو حجزه. ولفت محافظ البنك المركزي، الجهة الرسمية المخولة الرقابة على البنوك، محمد الهاشل، إلى وجود 341 ألف و206 مواطنين مقترضين مقابل 412 ألف و359 مواطناً غير مقترض، وأن هناك مقترضين أعمارهم تقل عن 21 سنة من طلبة الجامعة والمعاهد. وبذلت الحكومة والبرلمان مساعي كبيرة لإيجاد حل لهذه الأزمة، ففي 2008 تم إصدار قانون لإنشاء صندوق معالجة أوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة للمصارف وشركات الاستثمار. وحدد القانون العميل المتعثر بأن يكون ممن اتخذت بحقهم إجراءات قضائية من قبل أي من الجهات الدائنة، أو أن يكون وضعه المالي قد أثقل بأعباء والتزامات شهرية ترتبت عليه ما يؤدي إلى زيادة التزاماته الشهرية بنسبة 50 في المئة من دخله الشهري. وينشأ صندوق يتبع لوزارة المالية لمعالجة تلك الحالات ويمول من الاحتياطي العام للدولة بما لا يتجاوز 500 مليون دينار كويتي. هذا ولم يرض الصندوق كل المواطنين الذين رأى بعضهم أنه حل جزئي وليس علاجاً للمديونية، فأصل المشكلة، وفق عبدالله العلي، وهو مواطن متعثر، هو أن المقترض لم يعد قادراً على السداد أصلاً. ويقول محمد خليل (مواطن مدين) إن الصندوق يخفض حجم المشكلة ولا ينهيها، داعياً إلى إيجاد حزمة معالجات تتناول أو تغطي كل الافتراضات والحالات ومراحل تسديد القرض، بمعنى أن تتم مساعدة المقترض على إيجاد مصدر دخل يساعده على السداد. ويرى مراقبون أن استمرار أزمة تعثر بعض الكويتيين في سداد ديونهم وخصوصاً الشباب منهم، تكمن في رواج ثقافة استهلاكية ومالية خاطئة وفي غياب التنظيم، فأحيانا ينتفع مدين على سبيل المثال من تسوية ما لإنهاء ديونه ثم يتعثر من جديد لمعاودته الاقتراض، ما يدفع إلى مراجعة المجتمع لثقافة تنظيم الأمور المالية وحسن تدبير الأشخاص موازناتهم وعدم الإسراف إضافة إلى ضرورة فرض مزيد من الرقابة على المصارف. أما مجلس الأمة الجديد، فلا يزال يلعب على وتر القضايا الشعبية، كسابقه من مجالس برلمانية، فمرة يدعو بعض أعضائه إلى إسقاط القروض عن المتعثرين بالسداد، أو على الأقل إسقاط فوائد القروض، وهو ما اعتبره المحافظ الهاشل هدراً للمال العام، فيما اعتبر متابعون انه يكرس ثقافة الاستهلاك والاتكالية لدى الشباب. ويترقب الشارع الكويتي اليوم مصير قضيته «الشعبية» التي بدأت فردية وتحولت أزمة اقتصادية تتعلق بهدر المال العام، ونتج منها انعدام العدالة بين المقترض وغير المقترض، خصوصاً إذا ساهمت الدولة في تبني احد الخيارات المتاحة، من إسقاط الديون أو شرائها أو حتى إسقاط الفوائد عنها. فهل يغلق الملف على يد مجلس الأمة الجديد؟ وماذا سيردع دائنين جدداً متحمسين للسفر وتغيير سياراتهم وأثاث منازلهم من معاودة الكرة؟