«حين قلت إن المتظاهرين هم الذين جردوني من ملابسي، كان تفكيري إن إحنا شعب مع بعض نستحمل بعض غير الشرطة يعني»، قالها أشهر رجل في مصر حالياً حمادة صابر من دون أن يعي أن كلماته لخصت قصة شعب. قصة حمادة تصلح أن تكون مجموعة قصصية ضمن سلسلة شبيهة ب «رجل المستحيل» البوليسية. الجزء الأول بعنوان «حمادة البلطجي»، وفق رؤية الجماعة الحاكمة، ثم «حمادة المتظاهر»، وفق رواية المعارضة، وبعدها «حمادة المواطن»، وفق رواية برامج ال «توك شو» الخاصة، ومنها إلى «حمادة مش بتاع تظاهرات»، وفق تأكيد أسرته وجيرانه»، ثم «حمادة الذي عرى نفسه بنفسه»، وفق أغلظ إيمانات مشايخ الفضائيات الدينية، ثم «حمادة الصعيدي لا يتعرى ولا يسحل»، كما هدد أهل قريته الذين اعتبروا السحل والتعرية عاراً لا يمحوه إلا الثأر. ومنه إلى «حمادة والشرطة سمن على عسل»، وفق حمادة المقيم في عرين مستشفى الشرطة، وبعدها «حمادة والمتظاهرين سمن على عسل» بعد حبوب الشجاعة التي ابتلعها عقب تشجيع القوى الثورية له بأن يقول الحقيقة. وأخيراً «حمادة مطروداً من جنة الشرطة» بعدما تم إخراجه من مستشفى الشرطة بعد منتصف الليل بقليل، ورفض المستشفى الحكومي استقباله، ليعود إلى بيته «حمادة خالي الوفاض»، فلا الداخلية ستوفي بوعدها بعلاج فاخر وفرصة عمل نظير اتهام المتظاهرين، ولا القوى الثورية قادرة على مساعدته في ما هو فيه. لكن القوى النسائية أظهرت استعداداً لمساعدته، بوقفة نسائية في ميدان طلعت حرب الذي يقع على مرمى حجر من ميدان التحرش في التحرير، وعلى مرمى حجرين من وزارة الداخلية حيث ضمان أمن وأمان المصريين. وتحت شعار «رجالة مصر ما تتعراش»، وقفت نساء مصريات مناهضات لتعرية الرجال، وذلك بعد ما أصبحت التعرية في مصر الجديدة للجميع، نساء ورجالاً. حمادة المواطن الأشهر هذه الأيام والذي حقق معادلة المساواة المفقودة جاعلاً السحل والتعرية للجميع، لخص حال مصر والمصريين. هو المواطن غير المسيس الذي وجد نفسه منغمساً في دهاليز السياسة غصباً بعد الثورة. هو مبيض محارة، أي يعمل يوماً ويتعطل يومين. هو من يبرهن على حسن سيره وسلوكه بأنه لم يدخل قسم شرطة يوماً. هو من وجد نفسه في عرين الشرطة الفاخر يتلقى العلاج بعدما سحله الأسد وعراه، فقال ما أملاه عليه الأسد. هو من فوجئ بأن ما تبقى له من أصول صعيدية هاج وماج عليه، فالصعيدي لا يعرى ولا يسحل ولا يغض الطرف عن انتهاك عرضه وخدش حقه. هو الساكت عن حقه لأن بناته «على وش زواج» و «الفضيحة في الحتة بقت بجلاجل». هو من لا يملك حساباً على «تويتر» أو صفحة على «فايسبوك» لكن يملك تركيبة مصرية بسيطة لا تحلم إلا بالستر. هو من رأى في «البيه» الضابط ما يرهبه ويسكته عن حقه. هو من وجد نفسه عارياً مرتين، مرة من ملابسه أمام قصر الاتحادية وأخرى في بيته بعدما خسر وعد العلاج وفرصة العمل نظير إلصاق التهمة بالمتظاهرين. هو المصري الذي يرى نفسه في واد والحكم ومعه الشرطة في واد آخر. الواديان المتنافران تحدث عنهما قريب الشهيد محمد كريستي من أمام مشرحة زينهم. قال: «أناشد الجميع في مصر، سواء كانوا بشراً عاديين أو مسؤولين أن يتقوا الله فينا». المواطن البسيط صنّف المصريين صنفين: بشراً ومسؤولين، وبينهما هوة عميقة. الهوة التي كانت سبباً في اندلاع «ثورة يناير» والتي جعلت من المواطن صفراً على اليسار في مقابل النظام حيث «البيه» و «الباشا» مروراً بمعالي الوزير وانتهاء بسيادة الرئيس آخذة في الاتساع. ورغم الفارق الزمني البالغ عامين وأسبوعين بالتمام والكمال بين زيارة الرئيس السابق حسني مبارك لأكاديمية الشرطة في 23 كانون الثاني (يناير) 2011 وزيارة الرئيس الحالي محمد مرسي لأكاديمية الشرطة في 4 شباط (فبراير) 2013 إلا أنهما تبدوان متطابقتين. الأول ذهب إلى معقل الشرطة في عيدها يبجلها ويشد من أزرها رغم غليان الشارع من أفعالها، والثاني ذهب إليها يبجلها ويشد من أزرها رغم فوران الشارع من استمرار أفعالها، وكأن الثورة لم تكن، وإلا لما سحل حمادة وتعرى من دون أن يقلق ذلك مضجع السلطة أو تنقلب دنياها رأساً على عقب. وإلى أن تنقلب الدنيا رأساً على عقب، ويحدث تقارب ما بين الواديين المنفصلين المنفصمين المتعارضين، تبزغ مجدداً عبارة «عامان من الثورة وجرائم الدولة لا تزال بلا حساب»، وهو ما يؤكد ما قاله المسحولون وأقارب القتلى وأمهات المعذبين وآباء المختفين وأصدقاء المخطوفين من أن الشعب مع بعضه يتحمل بعضه بعيداً من الشرطة والسلطة، مع استمرار مناشدة الجميع سواء كانوا بشراً أو مسؤولين سرعة حقن الدماء.