اعتبرت صحيفة «الوطن» السورية القريبة من السلطات أن العرض الذي تقدم به رئيس الائتلاف المعارض أحمد معاذ الخطيب للتحاور مع ممثلين للنظام لإنهاء الأزمة السورية «جاء متأخراً» وأن المطلوب هو «محاربة الإرهاب»، وذلك بعد ترحيب واشنطن بهذا العرض مشترطة عدم منح الرئيس بشار الأسد أي حصانة. كما رحبت الجامعة العربية بمبادرة الخطيب استعداده للحوار مع ممثلين للنظام السوري، فيما أعلن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد أن «الحرب ليست الحل» في سورية، داعياً إلى «تفاهم وطني» بين السوريين. وفيما تؤشر لقاءات وزيري الخارجية الإيراني علي صالحي والروسي سيرغي لافروف مع الخطيب في ميونيخ السبت الماضي، إلى رضى ضمني من موسكووطهران، حليفتي النظام السوري، على مبادرة الخطيب، فإن دولاً أخرى بارزة حليفة للمعارضة، مثل السعودية وقطر، لم تبد أي موقف، فيما انتقدت تركيا هذه المبادرة واعتبرت أنها «لا يمكن أن تشكل حلاً». ومن الواضح انه لا يوجد إجماع في صفوف المعارضين على مد اليد الذي قام به الخطيب ذاهباً إلى حد التوجه مباشرة إلى «الدكتور بشار الأسد» والطلب منه «التساعد لإيجاد حل»، بدليل تعليقات بعض الناشطين، وإن لم يعلن أي من التيارات الرئيسية المعارضة موقفاً مغايراً لموقف رئيس الائتلاف. وفي غياب الموقف السوري الرسمي حتى الآن، ذكرت «الوطن» أن «تصريحات الخطيب تبقى منقوصة ولا تكفي لتجعل منه مفاوضاً أو محاوراً مقبولاً شعبياً على اقل تقدير». وأضافت «يمكن وصف تلك التصريحات بالمناورة السياسية لتصحيح خطأ الدفاع عن جبهة النصرة والتبرير المستمر لجرائم ترتكب كل ساعة بحق سورية». ورأت الصحيفة أن تصريحات الخطيب «وعلى الرغم من أهميتها السياسية جاءت متأخرة قرابة السنتين»، مضيفة أن «الكرة ليست في ملعب الدولة السورية كما يقول الخطيب. فالدولة سبق لها أن سددت الكرة منذ الأسابيع الأولى في مرمى الحوار لكن من دون أن تجد من يلبي دعوتها». وأعلن الخطيب في 30 كانون الثاني (يناير) استعداده المشروط «للجلوس مباشرة مع ممثلين عن النظام»، مبدياً خيبة أمله لنقص الدعم الدولي للمعارضة وعدم الوفاء بالوعود. وطالب الخطيب الاثنين النظام السوري ب «موقف واضح» من موضوع الحوار، قائلاً «نحن سنمد يدينا لأجل مصلحة الشعب ولأجل أن نساعد النظام على الرحيل بسلام. المبادرة الآن عند النظام إما أن يقول نعم أو لا». ثم طلب من النظام السوري انتداب نائب الرئيس فاروق الشرع للتحاور مع المعارضة. وكان الشرع استبعد قبل اكثر من شهر إمكانية حسم الوضع في سورية بالقوة، مطالباً «بتسوية تاريخية» للأزمة. واشترط الخطيب لبدء الحوار مع النظام السوري الإفراج عن «160 ألف معتقل» في السجون السورية وتجديد جوازات سفر السوريين الموجودين في الخارج. وقالت صحيفة «الوطن» إن المشكلة لا تكمن في هذين الشرطين إنما في «مخاطبة السوريين جميعاً وإقناعهم بأن الموالاة والمعارضة ستقفان صفاً واحداً لمحاربة الإرهاب، وأن الشيخ الخطيب سيكون بكل ما أوتي من قوة وإيمان في المقدمة للقضاء على هذا الإرهاب ومموليه». وتتهم دمشق قطر وتركيا والسعودية بتمويل «المنظمات الإرهابية». وقال وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو الأحد في ميونيخ تعليقاً على الدعوات للحوار بين النظام السوري والمعارضة، إن هذا الطريق «طريق خاطئ. ولا يمكن أن يشكل ذلك حلاً». ولزمت الرياض والدوحة الصمت حتى الآن، إلا أن تقارير صحافية سعودية أشارت نقلاً عن «مصادر قيادية في الائتلاف» إلى «مواقف ممتعضة» من «الأداء الإعلامي المضطرب» للخطيب. وقال عضو الهيئة العامة للثورة السورية في حمص هادي العبدالله «إن النقاط التي ذكرها (الخطيب) حول تفاوض مشروع مع النظام على الرحيل هي للأسف أقل بكثير من مبادرات عربية ودولية سابقة قام النظام بالمراوغة حولها وقتلها من اجل كسب الوقت والإمعان في مزيد من التدمير وقتل الشعب السوري». في المقابل، أبدى ناشطون ميدانيون تأييدهم لمبادرة الخطيب. وقال أبو نديم من مدينة دوما قرب دمشق إن «المعارضة ذكية لأنها تضع النظام في موقف صعب إزاء أنصاره». وكتب أبو عبدو من ريف دمشق على صفحته على موقع «فيسبوك» متهكماً «عزيزي داوود أوغلو إذا مو عاجبك نعمل مفاوضات لرحيل الاحتلال الأسدي ابعتلنا ذخيرة أو اصمت». في واشنطن، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند الاثنين «إذا كان لدى النظام أدنى اهتمام بالسلام، يتعين عليه الجلوس والتحدث الآن مع الائتلاف السوري المعارض، وسندعم بقوة دعوة الخطيب». لكنها أضافت «لا اعتقد أن الخطيب من خلال ما قاله كان يفكر بأنه يجب أن تكون هناك حصانة» للمسؤولين السوريين ولبشار الأسد. وكان الرئيس الإيراني قال في حديث إلى قناة «الميادين» الفضائية، إن «الحرب ليست هي الحل» في سورية، مشيراً إلى أن «الحكومة التي تحكم بالحرب سيكون عملها صعباً للغاية، والجماعة التي تأتي إلى السلطة (بالطريقة نفسها) سيكون عملها صعباً أيضاً للغاية». وشدد على انه «يجب ألا تشن حرب طائفية في سورية بتاتاً»، في بلد ذات تركيبة طائفية متنوعة، داعياً إلى «تحقيق التفاهم الوطني بين أبناء الشعب». ورداً على سؤال عما إذا كان الحل السياسي مرتبطاً بتنحي الأسد، قال «نعتقد بأن تشخيص من يبقى ومن يرحل هو حق الشعب السوري». وسأل «كيف يمكننا أن نتدخل بوجهة النظر؟»، ليضيف «نحن لا نتدخل، نحن نقول إن الشعب السوري يجب أن يختار من خلال الانتخابات الحرة». وأوضح أن شرط إجراء الانتخابات هو «استتباب الأمن»، وأن ذلك مرتبط بتحقيق «التفاهم الوطني. إذا لم يتحقق التفاهم فلن يستتب الأمن». وأشار إلى أن طهران التي تعد ابرز الحلفاء الإقليميين للنظام السوري، تحاول تحقيق هذا التفاهم ليليه إجراء انتخابات لم يحدد إذا ما كانت برلمانية أو رئاسية. أضاف انه على الآخرين بعد ذلك أن يتبعوا «كل ما اختاره الشعب السوري». وجاء حديث احمدي نجاد بعد ساعات من إعلان وزير خارجيته علي اكبر صالحي أن بلاده «ستواصل المحادثات مع المعارضة السورية»، بعد اجتماع أول نهاية الأسبوع بين صالحي ورئيس الائتلاف السوري المعارض احمد معاذ الخطيب في ألمانيا. وتعليقاً على الغارة الجوية التي شنتها مقاتلات إسرائيلية على مركز عسكري للبحوث العلمية قرب العاصمة السورية فجر الأربعاء، اعتبر احمدي نجاد أن «هذه حركة ناتجة من الضعف» من قبل إسرائيل. أضاف «يا ريت كانت ظروف سورية بشكل آخر كي يمكنها الدفاع عن نفسها». وكان أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي اكد من دمشق الاثنين أن إسرائيل «ستندم على عدوانها». وأقر وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك ضمنياً الأحد بتنفيذ الغارة، محذراً من أن بلاده لن تسمح لدمشق بنقل أسلحة متطورة إلى «حزب الله» اللبناني. الى ذلك، رحب الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي في بيان بمبادرة الخطيب استعداده للحوار مع ممثلين للنظام السوري، وعبر أيضاً عن أمله في أن تتجاوب الحكومة السورية مع دعوة الحوار، وأبدى استعداد الجامعة «لتقديم كل الدعم والرعاية اللازمة لتسهيل انعقاد مثل هذا الحوار». وأضاف البيان أن العربي شدد «على ضرورة الاستفادة من أي فرصة متاحة لكسر دائرة العنف وحقن دماء الشعب السوري ووضع هذه الأزمة المستعصية على مسار الحل السياسي».