عاد هدوء حذر مشوب بالترقب الى مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة أمس بعد 24 ساعة على إعلان وزارة الداخلية في الحكومة المقالة انتهاء العملية العسكرية في حي البرازيل جنوب شرقي المدينة، في وقت هددت فيه جماعة سلفية جهادية بالثأر لمقتل زعيمي تنظيم «جند أنصار الله». وزاول سكان رفح أمس أعمالهم وعادوا الى حياتهم الطبيعية بعدما هدأت أصوات قذائف ال «آر بي جى» والهاون وأزيز الرصاص المتبادل في محيط مسجد ابن تيمية ومنزل زعيم التنظيم عبد اللطيف موسى (أبو النور المقدسي) (49 سنة) وقائد ذراعه العسكرية أبو عبد الله السوري (المهاجر) الذي كشفت مصادر ل «الحياة» أنه سعودي الجنسية وأسمه الحقيقي خالد حسن بنات. كما تبين أن نجل السوري البكر عبد الله (20 سنة) قتل معه في الانفجار الذي هزّ منزل مجاور لمنزل موسى حيث كان القائدان ومعهما عدد من أتباعهما يتحصنون. وتراجع عدد قتلى العملية العسكرية التي نفذتها قوات الشرطة وعناصر «كتائب عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، ضد التنظيم الى 26 أمس بعدما تبين أن طفلة كانت في عداد القتلى قُتلت بالخطأ برصاصة انفلتت من سلاح شقيقها. كما تبين أن صهر موسى فهد موسى الذي ينتمي الى التنظيم ومطلوب للشرطة، ليس بين قتلى انفجار المنزل، ويعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة. وسمحت وزارة الداخلية لعائلات القتلى بتشييع عدد من أعضاء تنظيم «جند أنصار الله» الذي يستلهم فكر تنظيم «القاعدة»، الذين قتلوا الجمعة الماضي في اشتباكات مع «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة، بعد ساعات قليلة على إعلان موسى إقامة «إمارة إسلامية في أكناف بيت المقدس» انطلاقاً من مدينة رفح. وقالت مصادر حقوقية في المدينة ل «الحياة» إن قوات الأمن والشرطة سمحت لعائلة موسى بتشييعه بعيداً عن وسط المدينة، فتمت الصلاة عليه أمام المقبرة الشرقية القريبة من حي البرازيل بحضور مئات من الأقارب والأتباع غير المعروفين والمواطنين. وأضافت أن قوات الأمن أبقت المدينة، خصوصاً محيط مسجد ابن تيمية في حي البرازيل، مغلقة أمام وسائل الإعلام، ومنعت «الاقتراب أو التصوير» في المنطقة. وتعتبر الاشتباكات مع التنظيم الأكثر ضراوة منذ أن خاضت «حماس» آخر عملية «حسم» مع تنظيم «جيش الإسلام» وعائلة دغمش في 15 أيلول (سبتمبر) الماضي. وسبق ذلك عملية «حسم» أخرى مع عناصر من حركة «فتح» وعائلة حلس في الثاني من آب (أغسطس) الماضي. وتعتبر عمليات «الحسم» كما يحلو ل «الحمساويين» تسميتها «العمليات الكبرى» الثلاثة التي أعقبت سيطرة الحركة الإسلامية على القطاع في 14 حزيران (يونيو) 2007، في أعقاب اقتتال داخلي مع الأجهزة الأمنية الرسمية للسلطة الفلسطينية وقوات حركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس محمود عباس. وبالقضاء شبه التام على تنظيم «جند أنصار الله»، تكون «حماس» أظهرت ما يطلق عليه العامة «العين الحمرا» للجماعات السلفية الجهادية التي أخذت في التكاثر في السنوات الأخيرة مستفيدة من أجواء ملائمة وفرتها عدم رغبة «حماس» في قمعها خشية استجلاب ردود فعل قوية من تنظيم «القاعدة» وتنظيمات أخرى موالية له وعلماء شخصيات دينية عربية وإسلامية رفيعة. وكانت «حماس» قررت التحرك أخيراً بعدما زاد تعداد هذه الجماعات ونشاطاتها في القطاع، ونفذت عمليات تفجير في مصالح مدنية واجتماعية وثقافية ومسيحية، في وقت تسعى الحركة الى «الانخراط في المجتمع الدولي» وأن تحصل على «الشرعية العربية والدولية» المناهضتين للقاعدة وفكرها السلفي التكفيري. ويرى محللون فلسطينيون أن «حماس» لا ترغب في أن تبدو «راضية» عن ممارسات تلك الجماعات التي ركزت نشاطاتها داخل المجتمع الغزي المحافظ المسالم غير المتشدد بطبعه، وحاولت فرض أحكام الشريعة الإسلامية بالقوة. ويضيفون أن تزايد الحديث في وسائل الإعلام في الأشهر الأخيرة عن اتخاذ «حماس» قرارات وإجراءات من شأنها «أسلمة» المجتمع، أظهر الحركة من خلال «صمتها» عن هذه الحركات وكأنها تسعى الى تطبيق أحكام الشريعة من خلالهم، الأمر الذي تنفيه بشدة. ردود فعل متباينة في هذه الأثناء، أصدرت جماعة «سيوف الحق» السلفية الجهادية بياناً في غزة هددت فيه بمهاجمة قادة «حماس». ودعا البيان الذي نشره عدد من المواقع الإخبارية المحلية سكان القطاع إلى «الابتعاد عن مراكز الشرطة والمقرات المدنية والوزارات والمساجد التي يؤدي فيها قادة حماس الصلاة». وجاءت هذه التهديدات بعد تهديدات مماثلة من تنظيم «جند أنصار الله»، وفي وقت قالت «حماس» إن «بعض الجماعات التكفيرية العاملة في قطاع غزة، موجه إسرائيلياً ويتم توفير الدعم له من إسرائيل، وأنها توجه الأمور بطريقة خاصة تخدم الإسرائيليين». ودخل المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية خطيب المسجد الأقصى المبارك الشيخ محمد حسين على خط الأزمة أمس، وحرم «قتل النفس البريئة». وساق في إطار تعقيبه على الأحداث الدموية التي شهدتها مدينة رفح عدداً من الآيات القرآنية التي تذكر بحرمة قتل النفس. وحذر من «تفشي ظاهرة الاقتتال الداخلي بين أبناء الشعب الفلسطيني الذي تستهدفه آلة القتل والدمار الإسرائيلية صباح مساء، ولا تفرق بين فصائله وأطيافه وصغاره وكباره ورجاله ونسائه»، معتبراً أن «الخاسر الأكبر من الاقتتال هو الشعب وقضيته، والرابح الوحيد من النزاع والانشغال في الصراعات الداخلية هو الاحتلال، وبغض النظر عن أطراف الصراع وزمانه ومكانه». ووصفت «الجماعات السلفية الجهادية في فلسطين» قيام «حماس» بالقضاء على عبد اللطيف موسى «برد الفعل المتسرع». ونفت في بيان صحافي أمس أن يكون «خطاب إعلان الإمارة الإسلامية» دعا الى «تكفير أبناء شعبنا» أو أي حكومات، مشيرة إلى أن «إعلان الإمارة» جاء بعد «اتفاق قيادات جماعة جند أنصار الله وطرحها لاحقاً على الجماعات الأخرى للبيعة تحت اتفاق واضح يحرم التعدي على حرمات المواطنين». وقالت: «نحن أبناء شعب واحد وقضيتنا واحدة ولا يجوز إراقة الدم تحت أي ظرف من الظروف». وأشارت الى أنها «ليست في حرب ضد حماس أو أي فصيل فلسطيني بغض النظر عن الاختلافات والرؤى»، معبرة عن رفضها تكفير من يقول «لا إله إلا الله». وأضافت: «لدى حماس فهم خاطئ لما دعا إليه الشيخ عبد اللطيف موسى»، مستنكرة «تهويل» خطابه ووصف الناطقين باسم الداخلية موسى واتباعه بأنهم «جماعات تكفيرية». واتهمت «أجهزة أمن حكومة حماس» بملاحقة عناصرها الذين «نفذوا عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي»، مشيرة إلى «ملاحقات لأنصار الجماعة في الثامن من حزيران الماضي بعد هجوم على معسكر ناحل عوز العسكري شرق مدينة غزة (غزوة البلاغ بالجياد المفخخة)، والمسارعة الى تحميل جماعة جند أنصار الله المسؤولية عن الانفجار الغامض في حفلة زفاف يعود لعائلة دحلان في (مدينة) خان يونس، ومن ثم ملاحقة قيادات وعناصر الجماعة». وقال الرئيس العام ل «المجلس العلمي للدعوة السلفية في فلسطين» الشيخ ياسين الأسطل إن «المصيبة التي أصابتنا في رفح تدعونا إلى توحيد الكلمة ورص الصفوف وإنهاء الانقسام بعيداً عن التعصبات الحزبية والأغراض السياسية». واعتبر النائب عن «كتلة التغيير والإصلاح» البرلمانية التابعة لحركة «حماس» الدكتور يوسف الشرافي في بيان أمس إن «هذه الظاهرة تؤكد انحرافاً فكرياً وخللاً عقائدياً عند هؤلاء الناس الذين يتجرأون على المسلمين بتكفيرهم وبالتالي استباحة دمائهم». ودعا «حزب التحرير الإسلامي» المسلمين الى عدم اللجوء للسلاح في حل خلافاتهم، وقال إن «القتل والقتال لن يكون أبداً طريقةً شرعية لإقامة إمارة إسلامية». وقال زعيم تنظيم «جيش الإسلام» الشيخ ممتاز دغمش «أبو محمد المقدسي» إنه فجع بخبر مقتل موسى، وأبدى في بيان وقعه باسم «أبو محمد المقدسي» عجبه ل «بعض التبريرات الحمساوية والأخرى المتعاطفة معها من استرخاص للدم المسلم والموحد، ومن ضربهم عرض الحائط لكل النصوص الشرعية التي عصمت دم المسلم وعظّمته، بل ودرأت الحدود الشرعية بالشبهات من أجله، فيما هم يضربون بشبهاتهم المتهافتة حدود الشريعة عرض الحائط ويدرأون بإقصائها وبتعطيلها مصالحهم التنظيمية وحكمهم الظلامي القانوني». وأضاف: «عندما دعونا حماس كي تصحّح الأساس وتحكّم شرع الله، نعق المجادلون عنها بأنها مستضعفة وأنها غير ممكّنة، وأن المفاسد في تحكيم شرع الله كثيرة لا تقدر حماس على تحمّلها وأن الحكمة تقتضي التدرج ووو ... إلى غير ذلك من تبريراتهم وحججهم التي لا تصمد أمام أدلة الشرع، ثم في خضم هذه الأحداث وفجأة ولأجل سلطة حماس وحكمها ومصلحتها وهيمنتها ودكتاتوريتها، نفاجأ بتبخر جميع تلك الدعاوى والترقيعات». وأشار الى أن «مشايخ التيار السلفي الجهادي دعوا أتباعهم مراراً وتكراراً إلى عدم الصدام مع حماس حتى لو كانت حكومتها مصنفة عندهم كحكومة كافرة، وبالغ بعضهم في التلطف إلى حماس بل وتدليلها إلى حد المداهنة أحياناً لعلها ترعوي عن غيّها وتعود إلى رشدها». وقال: «للعلم كانت تصلني عشرات الرسائل تسأل عن حكم حماس وحكم قتالها وحكم استهداف قادتها، فكنت أجيب مراراً وتكراراً بالتحذير من فتح معركة مع حماس، أو حتى الإفتئات عليها بالاشتغال بتغيير بعض المنكرات إن كان ذلك سيترتب عليه منكراً أعظم يسلط حماس بسببه على الإخوة الموحدين، كما تسلطت من قبل على طائفة من إخوانهم لم يرعوا يومها فيهم حرمة لكبير أو صغير أو امرأة، وكان إخواننا في غزة يتفهمون ذلك ويتقبلونه». واعتبر أن «حماس هي المسؤولة الآن في غزة، وعليه فهي المسؤولة الحقيقية عن الفتنة أولاً وآخراً وبيدها نزع فتيلها، وبيدها إنقاذ أهل غزة وإخراجهم من ظلمات الفتنة الحقيقية إلى نور التوحيد، وإليها فليوجه المنتقدون نقدهم والواعظون وعظهم والناصحون نصائحهم، ولا يزكموا أنوفنا في مواعظ ونصائح حقيقتها عند التأمل، وعظ الذبيحة في التزام الهدوء والكف عن الانتفاض لإراحة الذابح لا الذبيحة، الذابح في مشهد غزة هو حماس، وهي من تمسك بالسكين، وبيدها إطفاء الفتنة، فهل تطفئ حماس الفتنة أم أنها ستمضي في غيها»؟ الى ذلك طالب مركز «الميزان لحقوق الإنسان» ومؤسسة «الضمير لحقوق الإنسان» في غزة أمس الحكومة المقالة بالتحقيق في أحداث رفح. وطالب «الميزان» الحكومة «بفتح تحقيق شامل في الأحداث بما يشمل ضرورات استخدام القوة المسلحة». وعبر عن استهجانه «عودة كتائب القسام في المشاركة في تطبيق القانون إلى جانب الأجهزة الحكومية، الأمر الذي رفضه المركز وطالب بوقفه في السابق». ودعا الى «وقف كل النقاشات التي تضع الحكومة في إطار أنها حكومة إسلامية، والعودة إلى الأصل في كونها حكومة مدنية ديموقراطية تستند في حكمها إلى الدستور والقوانين السارية، والتعامل مع القوى المتطرفة التي تسعى الى تقييد الحريات العامة وانتهاك القانون كقوى خارجة عن القانون». وعبرت مؤسسة «الضمير» عن رفضها «حجم التبريرات التي قدمت من جهات مختلفة، سواء في حماس أو الحكومة بعد وقوع الأحداث في رفح». وحذرت من «عودة الفلتان الأمني تحت عناوين مختلفة، وتستغرب أن تنسب أعمال تفجيرات سابقة لهذه الجماعة، وتتساءل: لماذا لم يتم اتخاذ المقتضى القانوني» في حقها في السابق. وطالبت الحكومة «بفتح تحقيق شامل في الأحداث الدامية في رفح وظروف استخدام القوة المسلحة المفرطة، إضافة الى أسباب تدخل كتائب القسام ومشاركتها في الأحداث على رغم أنها ليست جهة إنفاذ قانون». ورأت في «استخدام القوة المسلحة المفرطة من الأفراد المكلفين تنفيذ القانون، بأنه يشكل تصعيداً للأوضاع الأمنية داخل قطاع غزة، وسلوكاً يعتبر خروجاً عن القواعد التي تنظم إمكان استخدام القوة المسلحة».