أعلن رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أن لبنان «يتعرضُ لهجمةٍ إرهابية شرسة من قبل مجموعاتٍ إجرامية ظلاميّة، نفَّذَت اعتداءات على مناطق لبنانية عدّة حيث سقط لنا شهداء مدنيون وعسكريون فضلاً عن الخسائر الماديّة الجسيمة». ودعا «جميع أشقّاء وأصدقاء لبنان في العالم الى صَوْنِه وإِبعادِه عن صراعات المحاور ومَدِّهِ بأسبابِ القوّة»، وأكد التزام حكومته سياسة النأي بالنفس « لتحصينِه بأفضل الطرق تجاه تداعيات الأزمات المجاورة»، مشدداً على «ضرورة انتخاب رئيس مسيحي جديد للجمهورية في أسرع وقت». وقال سلام في الكلمة التي ألقاها باسم لبنان ليل أمس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك عارضاً «هموم بلدي الواقعِ في قلب منطقةٍ تشهد أحداثاً هائلة»، إن «الإرهابيين تمكنوا الشهرَ الماضي، من خطف عددٍ من أفراد الجيشِ والقوى الأمنيّة، واحتجزوهم للضغط على الدولة اللبنانية وابتزازها. وبِغَرَضِ تصعيدِ الضغط، نفّذت هذه العصابات جريمةَ قتلٍ وحشيةٍ بحقِّ ثلاثة من المحتجزين الأبرياء». واعتبر سلام أنّ «هذه الجرائم عرقَلَتْ جهودَ التفاوض غيرِ المباشر التي تقوم بها حكومتُنا بمساعدة جهاتٍ صديقة، لتأمينِ الافراج عن العسكريين، مؤكداً أَنْ «ليسَ بين خياراتِنا في هذه القضية خيارُ التراجُع عن أيٍّ من ثوابتِنا، المتمثلةِ بتحرير العسكريين وحِفظِ هيبةِ الدولة وحمايةِ أمنها وسيادةِ أراضيها». وأضاف إن «الشعب اللبناني، في معركتِه مع الإرهاب، يقفُ إلى جانب قواته المسلحة التي هي الركيزةَ الاساسيّة لحماية السيادة الوطنية وضمانِ الأمن والسلمِ الأهليّ. وتسعى حكومتُنا الى حشْدِ الدّعمِ اللازِمِ لهذه القوات، لتمكينِها من القيام بمهماتها على أكمل وجه». وقال إن لبنان «يثمِّنُ الهبةَ السخيّة التي قدّمتها المملكة العربية السعودية لتعزيزِ قدُراتِنا العسكرية. كما يُنَوِّه بمبادرة الأمين العام إلى إطلاق مجموعةِ الدعمِ الدوليّة للبنان في أيلول (سبتمبر )الماضي في نيويورك، ويُعرِبُ عن ارتياحِه الى الاجتماعات التي عَقَدَتْها المجموعةُ في باريسَ وروما هذا العام». ورأى سلام أنّ «الجهودَ التي تُبذَلُ حالياً لحشد الجهود الدولية للتصدّي للجماعات الإرهابية، تعكُسُ إدراك المجتمعِ الدوليّ فداحَةَ ما تشهدُه منطقتُنا منذ سنوات، وضرورةَ المسارعة إلى إطفاء نيرانِ الحريق المُسْتَعِرِ ومنعِ امتدادِه». وشدِّدُ على أهمية التعاونِ الإقليميّ والدوليّ في مجال مكافحة الارهاب، ورحب بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن في هذا الاطار، وآخرُها القراران 2170 و2178. وأوضح أنّ «معركتَنا مع الإرهابِ ليست مُسْتَجِدَّة. فقد عانى لبنان على مدى سنوات من إرهابِ الجريمة السياسيّة التي استهدفت عدداً من قادته ومسؤوليه السياسييين، وفي مقدِّمِهِم رئيسُ الوزراء السابق رفيق الحريري، ورجالُ إعلامٍ وفكر»، مشيراً إلى «أننا نتابعُ عملَ المحكمةِ الخاصّةِ بلبنان، ونتطلَّعُ الى التوصُّلِ للحقيقة وتحقيقِ العدالة، بما يسمَحُ بإِنصافِ الضحايا وبلسَمَةِ الجراحِ ورَدْعِ المجرمين». وتابع: «إن ما يجري في مناطقَ شاسعة من سورية والعراق، جرائمُ بشِعَة لا يفهَمُها عقلٌ ولا يُقِرُّها دين. تُرتَكَبُ باسم الإسلامِ العظيم، حَصَدَت أرواحَ عشرات الآلاف من المدنيين المسلمين، وتسبَّبَت بموجاتِ نزوحٍ غيرِ مسبوقةٍ، فضلاً عن أنّها زعزَعَت الكيانات، وقسَّمَت المجتمعات، ودَمَّرَت ثرواتٍ بشريّة وماديّة». ورأى أن «هذه الهجمةَ الإرهابيةَ تستهدفُ أيضاً جماعاتٍ دينيَّةَ شَكَّلَتْ على مَرِّ التاريخ مكوِّناً أساسيّاً في نسيجِ هذه المنطقة، وجزءاً من التنوّعِ الاجتماعيِّ والثقافيِّ الذي طالما مَيَّزَ بُلدانَ شرق المتوسط. و شاهَدَ العالمُ أجْمَعْ، الاعتداءاتِ على المسيحيين والأيزيديين في العراق، والتهجيرَ الذي أصابَهُم، والتدميرَ الذي لَحِقَ بممتلكاتِهِم ومُقَدَّساتِهِم». وأكد أنّ لبنان يَعتَبرُ الاعتداءَ على الأديان وأَتْباعِها وعلى الأماكِنِ المقدَّسة، اعتداءً على الكرامةِ الانسانيّة وانتهاكاً لحريّة المُعتَقَدِ والمُمارسَةِ الدينيَة التي نَصَّ عليها ميثاقُ الأمم المتّحدة والشُرْعَةُ الدوليَّةُ لحقوق الإنسان والتي كَفِلَها دستورُنا اللبنانيّ». وقال إنّ «لبنانَ يَفْخَرُ بأنّه البلدُ الوحيدُ في العالمِ العربيِّ والإسلاميِّ الذي يتولّى رئاسةَ الجمهوريةِ فيه مواطنٌ مسيحيّ. وهذا يؤكِّدُ أنَّ بلدَنا، وعلى رغم أزماتِه السياسيّة، كان ومازالَ يشكِّلُ نموذجاً للتنوّعِ في الشرق الأوسط، وتجرِبَةً فَذّةً للتعايشِ والتّفاعُلِ بين أبناء الديانات والطوائف المختَلِفة، ومثالاً مُناقِضاً لمفهومِ الدولةِ العنصريّة». وأثار قضية النازحين قائلاً إن «الحرب المؤلمة في سورية هَجَّرت إلى لبنان ذي الرُقْعَةِ الصغيرة، قُرابَةَ مليون ونصف مليون نازحٍ سوريّ، أي ما يزيدُ على ثلثِ عددِ السّكانِ اللبنانيين. ولِنُدرِكَ تماماً ماذا يعني ذلك، علينا أن نتخيّل مئةَ مليون شخص يتدفّقون فجأةً على الولاياتالمتحدة، وينتشرون بشكلٍ عشوائيٍّ في مُدُنِها وريفِها ومدارسها وحدائقها، مع ما يعنيه ذلك من حاجاتٍ مُلِحّة، وأعباءٍ إقتصاديّة وإنسانيّة وإجتماعيّة وتربويّة وصحيّة وأمنيّة». واعتبر سلام أن «هذا العددُ الهائلُ من النازحين، يشكل ضغطاً كبيراً على البُنى التحتيّة اللبنانية التي تعاني أصلاً من مشاكل بنيويّة... ويضْغَطُ على الاقتصاد الوطنيّ الذي تراجَعَ نموُّه إلى درجة الصِّفرِ تقريباً بسبب الأوضاع الإقليمية، الأمر الذي كَبَّدَ لبنان خسارةَ سبعةِ بلايين ونصف بليون دولار وفق تقديرات البنك الدوليّ». وإذ اعتبر أن «هذا الواقع يشكّلُ بالنسبة إلينا كارثةً وطنيّة»، كرر الحرص على وحدةِ سورية وسيادتِها واستقلالِها وسلامةِ اراضيها. وأكد التزامَ تنفيذَ قرار مجلس الأمن 1701 بكل مندرجاته، لتثبيت الاستقرار والأمن في الجنوب اللبنانيّ وبسطِ سلطةِ الدولة على كامل أراضيها. وطالب المجتمعِ الدوليّ بإِلزامِ اسرائيل القيامَ بموجباتِها الكاملة ووقف خرقها للسيادة اللبنانيّة براًّ وبحراً وجوّاً، والتعاون الكامل مع «اليونيفيل» لترسيم ما تبقى من الخط الأزرق والانسحاب الفوري من منطقة شمال الغجر، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وتناول سلام العدوانٍ الإسرائيليّ على قطاع غزة الذي ذهب ضحيتَه مئاتُ المدنيّين، وشرّدَ أكثرَ من رُبعِ السّكان، ودمّرَ المنازل والمستشفيات والبنى التحتيّة، مطالباً بتطبيقِ مبدأِ المُساءَلَةِ القانونيّةِ على جرائم الحرب التي ترتكبُها إسرائيل، ومنعِها من الإفلاتِ من العقاب. وحمّل إسرائيل مسؤولية إفشال كل المساعي الرّامِيَةِ إلى إيجاد تسوية سلمية على أساس حلّ الدولتين، مؤكداً ضرورة قيام حلٍّ عادلٍ وشاملٍ ودائمٍ للصراع في الشرق الأوسط على أساس قرارَيْ مجلس الأمن 242 و338، ومرجعيات مدريد للسلام، ومبادرة السلام العربية التي أُقِرَّت في قِمّةِ بيروت عام 2002. ووقال: «الشرقُ يبدو اليوم مسرحاً للعَبَثِ الأسوَد، تُعْرَضُ عليه آخرُ مبتكرات التوحُّشُ البشريّ، ويبدو أسيراً أبديّاً للجهل والتطرّف والظلاميّة.. مُجَلَّلا بأحقادٍ من قعرِ التاريخ، ومنقاداً لعصبيّات وغرائزَ لا تولِّدُ الا الدّم. لكِنْ هذا الشرقُ المَأزوم هو أيضاً، ناسٌ لهم أرضٌ وبيوتٌ وتاريخٌ وحكاياتٌ وأحلام، يريدون أن يكونوا مواطنين متساوين في بلاد حرة وأوطانٍ مستقرة... ولهم بناتٌ وأبناءٌ يتطلعون إلى فرصٍ أفضلَ للانخراطِ في العصر، وإلى مكانٍ لائقٍ في هذا العالم... فَلْيَكُفّ العالمُ عن تَعْدادِ قَتْلانا...وليَنْهَض إلى واجبِهِ، عاملاً على إرساء السلام في هذه المنطقةِ المعذّبة... يقومُ على الحقِّ والعدل». وختم مؤكداً « اللبنانيون عازمون على عبورِ المحنةِ الراهنة مثلما فَعَلْنا مراتٍ عديدة في الماضي... وواثقين من أنّنا معاً، لن نسمَحَ لأيِّ أحدٍ، أو أيِّ ظرفٍ، أو أيِّ جهةٍ، بإطفاءِ أنوارِ الحرّية والديموقراطية والتنوع والتعدديّة والعلم وحقوق الإنسان».