شكلت القمة الروحية الإسلامية - المسيحية التي عقدت في دار الفتوى، بارقة أمل للبنانيين في ظل الأخطار التي يعيشها لبنان، وأجمع الحاضرون على اتخاذ مواقف أبرزها اعلان حاجة لبنان الى رئيس جمهورية «يمكّننا من تجاوز الصعوبات». كما أعلنوا «تشكيل وفد اسلامي- مسيحي مشترك لعرض الأخطار المترتبة على قضية انتهاك حقوق المسيحيين العرب وتهجيرهم، أمام المرجعيات الدينية والمراجع السياسية العربية». وعقد رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية في دار الفتوى في بيروت، قمتهم الروحية الأولى بعد انتخاب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً جديداً للجمهورية. وأشادوا بالمواقف التي أعلنها في خطاب تنصيبه. وتوقف المجتمعون مطولاً أمام ما يواجهه لبنان من صعوبات اقتصادية واجتماعية ومن تحديات سياسية وأمنية وشددوا في بيان على الآتي: أ - إن لبنان بحاجة إلى رئيس يتمتع بالرؤية والحكمة وبالقدرة على قيادة اللبنانيين نحو جوامع مشتركة تمكّنهم من اجتياز الصعوبات والتحديات التي تواجههم. ولذلك يطالبون المجلس النيابي بالقيام بواجبه الدستوري والمبادرة الفورية إلى انتخاب رئيس يكون رأس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة لبنان ويسهر على أمنه وسلامته ويصون وحدته الوطنية وسلامة أراضيه ويحترم دستوره. والتأخير في انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، في وقت يواجه فيه مسيحيو الشرق المعاناة الشديدة على أيدي قوى إرهابية متطرفة، يعطل دور لبنان في أداء رسالته الوطنية والعربية النبيلة التي لا يكون إلا بها. ب - مطالبة القوى السياسية والحزبية المختلفة بالابتعاد بلبنان عن الصراعات الخارجية وعن سياسات المحاور الإقليمية والدولية التي تعرّضه لخطر استباحة أرضه وتحويله مرة جديدة مسرحاً لصراعات الآخرين والتأكيد على أهمية تعزيز الجيش اللبناني والقوى الأمنية ودعمها لأداء دورها في الحفاظ على سلامة لبنان واستقراره في وجه الأخطار. ج - معالجة قضية النازحين السوريين بحكمة ومسؤولية، لما باتت تشكله من أعباء ثقيلة على الاستقرار الاجتماعي، ومن أخطار كبيرة على الأمن الوطني والسلم الأهلي. وقيام لبنان بواجباته الإنسانية تجاه النازحين من أخوتنا في سورية والعراق هو حق وواجب. إلا ان لبنان لا يجب ان يُحمّل أعباء أكثر من ثلث شعبه. ونحن نطالب المجتمَعين العربي والدولي بإلحاح للمشاركة في تحمل المسؤوليات. د - تثبيت أسس وركائز الدولة في مؤسساتها الدستورية والسياسية والأمنية وعدم تعطيلها والاستقواء بها، وليس عليها، في مواجهة التحديات ومكافحة الفساد. واحترام ميثاق الطائف نصاً وروحاً باعتباره ميثاقاً وطنياً جامعاً بين اللبنانيين جميعاً». وإذ جدد المجتمعون «التزامهم العيش المشترك والوحدة الوطنية، وتمسكهم بالدولة ومؤسساتها الدستورية ملاذاً ومرجعاً وحيداً لمعالجة قضاياهم الوطنية»، أكدوا «رفضهم مبدأ الاستقواء بالخارج، أو الاحتكام الى السلاح في الداخل». وأعلنوا «تمسكهم بالحوار الوطني أساساً لمعالجة الاختلاف وإدارة التعددية. وهم على ثقة بأن المسلمين والمسيحيين في هذا الشرق، والذين يجمعهم مصير واحد قادرون على إعادة بناء مستقبلهم معاً». ولفت المجتمعون في بيانهم إلى أن «جرائم الاعتداء والتهجير الممارسة من الشراذم المسلحة في حق المسيحيين والمسلمين وسواهم في العراق وسورية... هي كلها جرائم ضد الإنسانية والدين معاً. فممارستها باسم الإسلام تشكل انتهاكاً للإسلام في قيمه وتعاليمه، وإساءةً بالغة إليه وتشويهاً لصورته. وهو براء منها ومن أصحابها. بل يحرّم كل من يمارسها أو يشجعها أو يدعو اليها، والمسلمون كانوا في طليعة ضحاياها». وأكدوا أنه «لا توجد قضية مقدسة على حساب كرامة الإنسان وحقوقه. ولا حرب مقدسة باسم الدين». وأشاروا الى ان «التهجير القسري والإرهابي لأي مواطن على خلفية دينية أو مذهبية أو عرقية يشكل خطراً على وحدة نسيج المجتمعات العربية وهو جريمة كبرى تحرّمها كل شرائع السماء. فالتهجير القسري والعدواني يصم الإسلام الذي ترتكب هذه الجرائم افتراءً باسمه بما ليس فيه من خلال اتهامه بأنه يرفض الآخر المختلف، الأمر الذي يلحق ضرراً شديداً بسمعة الإسلام والمسلمين، وتالياً بالعلاقات الإسلامية - المسيحية التي كانت وسيبقى الحفاظ عليها وتعزيزها، أمانة في أعناق شعوب المنطقة وقياداتها». ولفتوا الى ان «التنديد الشديد بجريمة التهجير القسري والإرهابي، وبأصحابها الخارجين عن تعاليم الدين، يتطلب في الوقت ذاته التحذير من النتائج السلبية لتشجيع المسيحيين على الاستيطان في دول أخرى». وأكدوا ان «الشرق يكون ويستمر بمسلميه ومسيحييه معاً أو لا يكون»، مناشدين أبناءهم المسيحيين خصوصاً، «التمسك بأوطانهم والتشبث في أرضهم». ودعا المجتمعون الى «استخلاص العِبر من المحنة التي تمر بها مجتمعات عربية عانت طويلاً من ثنائية الاستبداد والإرهاب، وذلك باعتماد أنظمة للحكم تساوي بين المواطنين، وتحفظ حقوقهم، وتصون حرياتهم، وتمكّنهم من المشاركة في عملية اتخاذ القرارات. فالمواطنة هي العمود الفقري للدولة الوطنية». ولاحظ المجتمعون ان «جرائم الاعتداء على مسيحيي سورية والعراق على يد حركات التطرف الإرهابي تزامنت مع جرائم الاعتداء على أهلنا في قطاع غزة على يد القوات العسكرية الإسرائيلية. وهذه الجرائم تحتم على المجتمع الدولي إدانة ومعاقبة المعتدين وتفشيل مشاريعهم. واحترام حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية على أرضه وعودة المهجرين من أبنائه». وأعرب المجتمعون عن «ألمهم الشديد لاستمرار خطف المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي». كما أعربوا عن «ألمهم الشديد أيضاً لاختطاف جنود ورجال أمن لبنانيين من قبل شراذم مسلحة، وقتل بعضهم بطرق وحشية»، مطالبين الحكومة «ببذل كل الجهود لإطلاق المحتجزين في أسرع وقت». ودعوا الى «ضرورة متابعة قضية الإمام موسى الصدر ورفيقيه، مقدّرين عالياً الدور الرائد الذي قام به من أجل تعزيز الحوار والعيش المشترك.