حين قدَّم المخرج والفنان عبدالغفور بن أحمد البلوشي ثلاثة عروض لمسرحية «زهرة»، لم يكن يريد سوى التذكير بأن ثمة مسرحاً في عُمان، فاتخذ من حديقة القرم الطبيعية ملاذاً لتقديم عمله حين لم يجد قاعة مسرح في مسقط. أعاد العرضُ بعض الحياة إلى القرية التراثية التي بدت كحارة مهجورة، كما إلى المسرح العماني، الذي يغيب كثيراً عن الحضور، سوى في مهرجان محلي يقام كل سنتين مخصص للفرق الأهلية. والعرض مموّل من الدولة، وكان بسيطاً في كل شيء، من حيث الفكرة والديكور والوقت. وفيما كانت الحكاية تنهض في تداعياتها النفسية، كتب المخرج مشهد النهاية. اختار البلوشي نصاً للإماراتي سالم الحتاوي، لقرب أجواء الإمارات من العادات العمانية، محافظاً على تقليدية الفكرة لتقديمها مسرحياً بأقل الممكن من روح التجريب والتحديث على الخشبة، التي لم تكن خشبة بالمعنى المتعارف عليه فنياً، بل فناء بيت تقليدي قديم في القرية التراثية. واعتمد المخرج على الإضاءة في إحداث تغييرات على المشاهِد، وبقيت حرية الحركة معتمِدة على ألوان الإضاءة وتقلباتها بين ليل ونهار، مع مؤثرات صوتية سعت للخروج من تقليدية النص والمَشاهد المسرحية إلى لغة عالمية عبر موسيقى كلاسيكية. استفاد المخرج من فضاء المكان الطبيعي ليصنع أبعاداً جمالية للعرض. الشجرة التي تتحدث عنها زهرة هي شجرة حقيقية كبيرة والنخلة أيضاً على الطرف الآخر من مساحة العرض، مع فضاء مفتوح جلس فيه الجمهور ضمن نسيج حارة شيدت لتكون نموذجاً للحارات العمانية التقليدية. وقدَّم البلوشي تلوينات جمالية، من بينها ساعة على واجهة البيت تبدأ الإضاءة منها لتهبط على وجه زهرة الواقفة تحتها ليتتابع سقوط بقعة الضوء مع انهيار المرأة العجوز. قدّمت الشابة وفاء البلوشي شخصية زهرة، واجتهدت كثيراً لتكون مقنعة في أداء دور المرأة العجوز التي تنتظر عودة ابنها فارس بعد طول غياب، وتتزين له بما يبعدها عن كونها الخادمة التي رعته منذ طفولته في بيت الرجل الثري الذي كان زوجُها سائقاً عنده قبل وفاته. لكن المفاجأة أن فارس عاد متنكراً للمرأة التي انتظرته، فهي ليست إلا خادمة أحرقت قلب أمه من خلال قصة الحب بينها وبين والده الراحل. ماتت الأم مقهورة بما رأته من انجراف زوجها وراء الخادمة التي يطردها فارس من البيت بعد أن يتهمها بالسرقة. وتكمن نقطة التحول في فتح خزانة الأب ومعها خزانة الذكريات، وكما هي مشاهد الأفلام التقليدية (عربية أو هندية)، يتضح أن الابن ليس إلا الطفل الذي جاءت به زهرة بعد وفاة زوجها ليشتريه الرجل الثري (شبير العجمي) المحروم من النسل، وأن فارس (أدى الدور باقتدار عابدين البلوشي) هو ابن الخادمة. مشهد مفصلي في الحكاية جاء بارداً وسريعاً. يخرج ضابط الشرطة (سعيد شنون) الملفات من الخزانة فينظر إليها لحظات، وفيها مذكرات الثري الراحل، حتى يعرف سريعاً أشياء كثيرة، فيتناولها الولد لتصيبه الدهشة لمجرد أن نظر قليلاً إلى دفتر يوميات والده. الخادمة لم تعد خادمة، والأم الراحلة ليست هي الأم، ولا يجد إلا فكرة بيعه للثري ليلوم أمه عليها والتي تلقي بعبء كل ذلك على القهر، من خلال لغة جميلة وشاعرية أحدثت تأثيراً نفسياً. وقبل أن تعرف أن البيت لها وفق الوصية، تقول للابن إن لها من البيت أكثر من أي أحد آخر، كل شبر فيه أحنت ظهرها من أجله ليبقى نظيفاً، انتظاراً لعودة فارسها، ابنها المسافر، من دون أن يعرف أحد أين ولماذا ارتحل كل تلك السنوات الطوال. تلح كلمة «الشراء» كثيمة تضع تحتها التساؤلات وتلقي بالأجوبة بعيداً من متناول الشخوص، فالثري يشتري الطفل من أمه التي لم تشترط مالاً، بل طلبت فقط أن تبقى خادمة في البيت قريبة من أمها، قبل أن يأتي ثري آخر، وفي اجتزاء للأحداث، ليدخل البيت سائلاً زهرة عن عدد غرف البيت، وقد اشتراه أيضاً. هكذا، لتكتب النهاية قاصمة من خلال نظرات زهرة التي باعت (مرغمة بسبب الفقر وخوفها على ابنها منه) وبيعت (من ابنها حين باع البيت)، مع أن أوراق الخزانة تقول غير ذلك.