ينشغل الوسط السياسي في لبنان في مواكبة المسار العام لمستقبل العلاقة بين حزبي «الكتائب» و «القوات اللبنانية» من جهة وتيار «المستقبل» من جهة ثانية، بعدما أخذ يقترب من حافة الهاوية بسبب الاختلاف الحاد على قانون الانتخاب وعلى دعوة رئيس البرلمان نبيه بري اللجان النيابية المشتركة للاجتماع غداً، مع أن البعض لم يفقد الأمل بإمكان تدارك الانزلاق في اللحظة الأخيرة وقبل فوات الأوان. ويأتي اجتماع اللجان غداً ليسلط الضوء على ارتفاع منسوب الاختلاف بين «المستقبل» وحليفيه حزبي «الكتائب» و «القوات»، لا سيما، أن الأخيرين كانا أبلغا حليفهما بأن مقاطعتهما لأي نشاط انتخابي تشارك فيه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لا تسري على أي اجتماع يخصص لمناقشة قانون الانتخاب الجديد وهذا ما يلقى استغراباً من «المستقبل» الذي تنقل عنه مصادره أن مقاطعة الحكومة والمطالبة برحيلها لمصلحة المجيء بواحدة حيادية تشرف على إجراء الانتخابات لقي إجماعاً في اجتماع قيادات 14 آذار من خلال البيان الذي صدر بعد أيام على اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن. ومع أن كتلة «المستقبل» حرصت على عدم تظهير الاختلاف إلى العلن وحصره في الاجتماعات الضيقة لقيادات المعارضة، فإن رئيسها فؤاد السنيورة ظل على تواصل مع رئيسي «الكتائب» الرئيس أمين الجميل و «القوات» سمير جعجع في محاولة لرأب الصدع وفتح حوار حول أي قانون انتخاب تجمع عليه 14 آذار لكنه لم يفلح في تحقيق أي تقدم بسبب إصرارهما على تبني المشروع الأرثوذكسي بدلاً من إصرارهما على مشروعهما المشترك القائم على الدوائر الصغرى. وكانت المفاجأة من وجهة نظر «المستقبل»، في تمسك الجميل وجعجع ب «الأرثوذكسي» باعتباره الوحيد الذي يؤمن صحة التمثيل المسيحي في البرلمان على رغم أنهما في السابق حرصا على تمرير رسالة مفادها بأنهما لن يتركا لرئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون المزايدة عليهما في الشارع المسيحي وتقديم نفسه على أنه المدافع الوحيد عن حقوق المسيحيين. وبكلام آخر، بدأ «المستقبل» يتصرف لفترة من الوقت وكأن تأييد حليفيه ل «الأرثوذكسي» ما هو إلا مناورة، وهذا ما كان تبلغه منهما، إلى أن فوجئ بتولي النائب الجميل وزميله عدوان الدفاع عنه سواء في لجنة التواصل النيابية أم من خلال مواقفهما. واعتبرت مصادر مواكبة لطبيعة العلاقة الراهنة بين «المستقبل» وحزبي «القوات» و «الكتائب» أن الأخيرين لم يؤيدا «الأرثوذكسي» من باب المناورة، وإنما أصبحا على قناعة بتأييده بدلاً من لجوئهما إلى تسويق الدوائر الصغرى. وقالت إنهما اتقنا لعبة توزيع الأدوار لتأخير رد فعل «المستقبل» على «الأرثوذكسي» وإلا لماذا لم يسارع الجميل وجعجع إلى مصارحة حليفهما بأنهما لا يريان من بديل له وأن توافقهما على مشروع الدوائر الصغرى لم يكن إلا مناورة لتبرير تأييدهما ل «الأرثوذكسي». وسألت المصادر نفسها لماذا يصر الجميل وجعجع على تحميل «المستقبل» مسؤولية إخفاقهما في تسويق الدوائر الصغرى وهل أخطأ معهما رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عندما صارحهما بأنه لن يكون عقبة في وجه إقراره وأن المشكلة تكمن في إقناع رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط بتأييده باعتبار أن هذا المشروع لن يمر في البرلمان من دون موافقته؟ كما سألت المصادر: «ألم يبادر الرئيس السنيورة إلى تأييد الدوائر الصغرى بعد مقابلته البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي. وهل يطلب من «المستقبل» أن يمون على جنبلاط وكأنه ملحق به، مع أن الجميع يعرف موقفه المعارض للدوائر الصغرى، وطبيعة علاقته بالرئيس الحريري؟». وتوقفت المصادر عينها أمام قول جعجع أمام زواره إن نقاط الاختلاف داخل قوى 14 آذار محصورة بقانون الانتخاب، وسألت كيف يمكن أن تستقر العلاقة بين المكونات الرئيسة للمعارضة، وهل يمكن أن تستوي في ظل هذا الاختلاف، خصوصاً أن القانون يشكل الممر الإجباري لإعادة إنتاج السلطة في لبنان إلا إذا اعتبره البعض أمراً ثانوياً... وأثارت المصادر السؤال عن خلفية ما قاله عدوان من أن الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله تحدث بإيجابية في خطابه الأخير عن الشق الانتخابي وكيف يتوافق في موقفه هذا مع جعجع الذي لم يتوقف عن اتهام الحزب بأنه يخطط للسيطرة على المجلس النيابي الجديد لإعادة النظر في النظام السياسي الحالي انطلاقاً من إطاحة اتفاق الطائف. ولفتت إلى أن عدوان يحاول من خلال مواقفه أن يرضي الجميع ما عدا حليفه «المستقبل»، وسألت ماذا سيبقى من 14 آذار في حال استمرار الاختلاف على قانون الانتخاب وهل أن الفرصة ما زالت متاحة لترميم صفوف المعارضة مع اقتراب موعد الذكرى الثامنة لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، أم أن حزبي «القوات» و «الكتائب» اتخذا قرارهما بإعادة تموضعهما السياسي، بذريعة أن «الأرثوذكسي» وحده يبدد هواجس المسيحيين ومخاوفهم التي بلغت ذروتها في ضوء ما يحصل في جوار لبنان وتحديداً في سورية؟ وأكدت المصادر أن تبديد الهواجس لن يتحقق من خلال موقف يدفع علاقة «الكتائب» و «القوات» ب «المستقبل» إلى مزيد من الاهتزاز بدلاً من الالتفات إليه على أنه يشكل رأس حربة «الاعتدال» في الشارع الإسلامي. إلا إذا كان الخوف منه يكمن في الاعتقاد أنه عازم على الاستقواء بالمتغيرات العربية ضد الآخرين في لبنان، على رغم أن سعد الحريري ليس كذلك. وعليه، فإن السؤال الذي يلح عليه حزبا «القوات» و «الكتائب» ويتعلق بالقانون البديل من «الأرثوذكسي» سيجيب عنه الحريري في مقابلته بعد غد الخميس مع الزميل مرسيل غانم في برنامج «كلام الناس» من على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال. وعلمت «الحياة» أن الحريري يستعد لإطلاق مبادرة سياسية سيعرض من ضمنها تصوره لقانون انتخاب جامع وهذا ما أبلغه أمس الرئيس السنيورة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان. وأكدت مصادر «المستقبل» أن السنيورة طرح أول من أمس العناوين الرئيسة لهذه المبادرة وترك للحريري الكشف عن تفاصيلها. وقالت إن الأول أبلغ رئيس الجمهورية بأن «المستقبل» لن يؤيد مهما كلف الأمر النظام النسبي ولا مشروع اللقاء الأرثوذكسي. وأضافت أن السنيورة أوضح لرئيس الجمهورية أنه كان أول من أيد مشروع الوزير السابق فؤاد بطرس القائم على اعتماد النظامين الأكثري والنسبي، لكنه ربط تأييده للأخير بوضع سلاح «حزب الله» تحت كنف الدولة لرفع الضغوط عن الناخبين وتحقيق حد أدنى من التوازن يضمن حرية التحرك للمرشحين المناوئين للوائح الحزب. وقالت المصادر إن كتلة «المستقبل» كانت توصلت في أحد اجتماعاتها المغلقة إلى قرار بعدم الموافقة على القانون النسبي في ظل الظروف الراهنة ولا على «الأرثوذكسي» حتى لو بقيت وحدها في الميدان. وعزت السبب، وكما أبلغه السنيورة إلى رئيس الجمهورية، إلى أنها لن توافق على أي مشروع يؤدي إلى «دفن» صيغة العيش المشترك أو إلى تطييف قانون الانتخاب الذي يحدق فرزاً بين اللبنانيين. ويبقى السؤال عن رد فعل حزبي «القوات» و «الكتائب» على ما سيقوله الحريري وهل سيبديان تناغماً مع طرحه يفتح الباب أمام إنعاش العلاقة بين مكونات 14 آذار ويوقف مسلسل التصدع الذي يهددها، أم أنهما أمام مرحلة جديدة يحاولان استدراج العروض السياسية للتعويض بحليف آخر غير «المستقبل» مع أنه ليس موجوداً في المدى المنظور إلا إذا كانت هناك طبخة سياسية تعيد خلط الأوراق.