القرار الذي اتخذه المنسق العام للأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد بتعليق اجتماعاتها حتى إشعار آخر كان في محله لاعتبارات أبرزها إبعادها عن التجاذبات القائمة بين قياداتها بسبب الاختلاف على مشروع اللقاء الأرثوذكسي، وحمايتها من أي تصدع سياسي، وترك مؤيدي المشروع يقدّرون، في نهاية المطاف، أن لا إمكان لتسويقه داخل المعارضة أو من خلال الهيئة العامة للبرلمان، وبالتالي سيضطر الجميع الى التسليم بأن أي طرف فيها لا يستطيع أن يربح وحده وإنما بتحالف وطني عريض. وفي هذا السياق يؤكد قيادي بارز في قوى 14 آذار ل «الحياة»، أن ما يشهده لبنان حالياً هو أخطر من الاختلاف على قانون الانتخاب الجديد طالما أن أزمة النظام مفتوحة على كل الاحتمالات وتتطلب الدخول في نقاش هادئ ومرن بعيداً من الأضواء وعلى قاعدة التمسك باتفاق الطائف وضرورة السعي من أجل استكمال تطبيقه، وفي ضوء ذلك يمكن أن يتبين إن كانت هناك ثغرات تستدعي العمل لتصحيحها. ويضيف القيادي نفسه، أن قانون الانتخاب الجديد يمت بصلة مباشرة الى إعادة إنتاج النظام السياسي في لبنان، وبالتالي لا يؤيد ما قاله رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، من أن لا اتزان عند من يفكر في أن قانون الانتخاب يمكنه أن يفكك قوى 14 آذار، باعتبار أن ما يجمع هذه القوى أكبر بكثير مما يفرقها. ويسأل: هل إن قانون الانتخاب الجديد لا يعتبر من القضايا الكبرى التي تستدعي من قيادات 14 آذار التوافق عليها، وإلا فما هي هذه القضايا إذا استثنينا منها القانون؟ ويكشف أن ما قاله جعجع في هذا الخصوص كان أبلغه قبل أيام الى مستشار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح، فيما يؤكد أن الرئيس السابق رئيس حزب الكتائب أمين الجميل حاول أن يخفف من التداعيات السلبية المترتبة على الاختلاف حول قانون الانتخاب وتأثيرها على الوضع الداخلي في قوى 14 آذار. ويتعامل القيادي مع الموقف الذي سمعه من الرئيس الجميل على أن الأخير يصر على طمأنة حلفائه إلى أن المشروع الأرثوذكسي سيواجه صعوبة في تسويقه على رغم أن نجله النائب سامي الجميل يدافع عنه بضراوة وبالتضامن مع النائب في «القوات» جورج عدوان. ويرى القيادي نفسه أن الجميل وجعجع لم يكونا مضطرين للانخراط في لعبة المزايدة حول «الأرثوذكسي» التي تولاها رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون حتى ولو كانا يرغبان في المناورة في هذا الشأن. ويعزو السبب الى أن التنافس على تأييد «الأرثوذكسي» قاد حتماً إلى تظهير مشهد سياسي من نوع آخر، عنوانه أن عون نجح في أن ينتزع من حلفائه تأييد المشروع بينما أخفق الجميل وجعجع في تأمين تأييد حلفائهما الذين لم يلوذوا بالصمت كتعبير عن رفضهم له وإنما بادروا الى معارضته في العلن. ويضيف أن عون نسق مع حلفائه بينما لم يأخذ الجميل وجعجع برأي حلفائهما، لا سيما أن المشاورات التي جرت لاحقاً بين قيادات 14 آذار أعقبت إصرارهما على تأييد المشروع في العلن ومحاولتهما حشر حلفائهما ظناً منهما بأنهما سيضعانهم أمام أمر واقع لا مفر لهم سوى تأييده ولو من باب المناورة. ويؤكد القيادي أن قيادة «المستقبل» وغيرها من الشخصيات المستقلة في 14 آذار فوجئت بإصرار الجميل وجعجع على إظهار تأييدهما المشروع الأرثوذكسي في العلن من دون التنسيق معها، وأن المشاورات التي شارك فيها رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة كانت خجولة ولم تحقق أي تقدم طالما أن حزبي «الكتائب» و «القوات» قالا نعم للمشروع. ويستغرب القيادي تفرد الجميل وجعجع في موقفهما من «الأرثوذكسي»، ويسأل كيف يوفق الأخير بين تأييده المشروع وبين ما ورد في خطابه في 14 شباط (فبراير) الماضي في مناسبة ذكرى استشهاد رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري؟ وأين يمكن أن يصرفه ما دام أن تأييده إياه كان عن قناعة وليس من باب المناورة. ويتجنب القيادي الدخول في رد فعل الرئيس الحريري على موافقة حليفيه على «الأرثوذكسي» مع أنه لم يكن مطلعاً على موقفهما قبل الإعلان عن تأييدهما له. لكنه يرى أن «الأرباح» التي حققها الجميل وجعجع من خلال مناورتهما في تأييدهما المشروع الأرثوذكسي، لا تقارن بحجم الأضرار السياسية التي أصابت قوى 14 آذار مجتمعة، إضافة الى أن معظم حلفائهما فضلوا أن يكونوا في عداد المتفرجين ولم يتدخلوا في المزايدات المسيحية - المسيحية. ويضيف أن اللقاء الأخير الذي عقد في جدة بين الحريري وجعجع لم يتطرق الى «الأرثوذكسي»، لأن موقف الأول حاسم في رفضه إياه، وهو لذلك يفضل ألا يكون طرفاً في «نشر غسيل» 14 آذار أمام القاصي والداني، ويصر الآن على تدوير الزوايا حرصاً منه على وحدة قوى المعارضة. لكن الى متى سيبقى صامتاً؟ لذلك، فإن المناورات في تأييد «الأرثوذكسي» بلغت المدى المرسوم لها، ولعلها ستدفع بمؤيديه إلى مراجعة حساباتهم، وهذا ما يراهن عليه المستقلون في 14 آذار الذين ينتظرون من الجميل وجعجع الإقرار بأن هذا المشروع غير قابل للحياة وأن لا مفر من انتظام الجميع بحثاً عن قواسم مشتركة للتوافق داخل المعارضة على قانون انتخاب يؤمِّن إعادة إنتاج السلطة السياسية في لبنان على رغم أن أكثر من مسؤول كبير أخذ يردد مجدداً احتمال تأجيل إجراء الانتخابات بين حزيران (يونيو) وأيلول (سبتمبر)، بذريعة أن هناك عوائق قانونية لا بد من حلها.