أمهل الاتحاد الأفريقي أمس وساطته بين الخرطوموجوبا ستة أشهر، عقب فشل الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت في تحقيق تقدم ملموس في المحادثات المتعثرة بين بلديهما في شأن منطقة أبيي، والترتيبات الأمنية على حدودهما، وتصدير النفط الجنوبي عبر الشمال. وحمّل كل طرف الآخر المسؤولية عن الانتكاسة، ما يعقّد الأوضاع السياسية والاقتصادية في الدولتين المنهكتين. وقال سلفاكير للصحافيين عقب لقائه البشير في أديس أبابا: «لقد احترمنا الجانب المتعلق بنا من الاتفاقات لإحراز تقدم، لكن السودان (لم يفعل ذلك). جولة المفاوضات ينبغي ألا تتواصل إلى ما لا نهاية ... علينا أن ننتقل من الكلام إلى الفعل». واتهم السودان بفرض شروط جديدة لمنع استئناف عبور نفط الجنوب عبر أنابيب الشمال، الأمر الذي لا بد منه لتصدير نفط جنوب السودان. واعتبر أن الخلاف حول منطقة أبيي المتنازع عليها بين البلدين «لم يعد يتطلب مفاوضات أخرى بل تبني الاقتراح» الذي أعدته الوساطة «في خصوص الوضع النهائي لأبيي» و«تنفيذه سريعاً». وفي المقابل، اتهم البشير الجنوب بالتراجع عن اتفاق سابق في شأن فك ارتباط جيش الجنوب مع متمردي «الحركة الشعبية - الشمال»، والترتيبات الأمنية في منطقة الميل 14 الحدودية بينهما مما يعطّل إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح على حدودهما. وأعرب مجلس السلم والأمن الأفريقي، في بيان عقب مناقشة التطورات في محادثات دولتي السودان وجنوب السودان، عن قلقه حيال استمرار «التباينات» بين دولتي السودان و «استمرار عدم تطبيق» الاتفاقات التي وقّعت في أيلول (سبتمبر) الماضي. واتهم المجلس البلدين ب «ربط تنفيذ بعض الاتفاقات التي هناك تفاهم كامل حولها بمعالجة الخلافات في شأن اتفاقات أخرى». وأعطى مجلس السلم والأمن الأفريقي لجنة الوساطة التابعة له برئاسة ثابو مبيكي ستة أشهر أخرى قبل أن يقدّم تقريره النهائي إلى الاتحاد الأفريقي. وسيستأنف البلدان المحادثات في 15 شباط (فبراير) المقبل في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. ومن بين القضايا الرئيسية التي لا تزال عالقة بعد انفصال البلدين، تكوين المجلس التشريعي لمنطقة أبيي، وقضية الميل 14، ومشكلة المنطقة الحدودية المنزوعة السلاح، إضافة إلى قضية الأصول التابعة للشركة النفطية التي استحوذت عليها دولة جنوب السودان بعد استقلالها. وبخصوص القضية الأخيرة، قال البشير إن بلاده لن تلجأ إلى التحكيم الدولي لحلها. وقال البشير لمجلس السلم والأمن إنه يعلن - علامة على حسن النية ورداً على طلب جوبا - تخلّي السودان عن اللجوء إلى التحكيم الدولي، وأوضح أن الخرطوم مستعدة لمواصلة المفاوضات مع حكومة جنوب السودان للتوصل إلى حل سلمي للقضية. وسعى السودان من قبل إلى الحصول على 1.8 بليون دولار كتعويض بعدما استولت شركة «نايلبت» النفطية الحكومية بجنوب السودان على أصول كانت مملوكة في الماضي لشركة «سودابيت» السودانية الحكومية. وقال جنوب السودان إنه لن يدفع هذا المبلغ. وقال مفوض الاتحاد الأفريقي لشؤون السلم والأمن السفير رمضان العمامرة، في تصريحات إلى الصحافيين عقب الاجتماع، «إن المجلس شدد على أهمية أن يطبق كل من السودان وجنوب السودان الاتفاقات الموقعة بين الجانبين وبلا شروط وفي أقرب وقت ممكن». وأشار إلى أن المجلس حض الجانبين على مواصلة المفاوضات، كما قرر تمديد تفويض اللجنة لمدة 6 أشهر أخرى، على أن ترفع اللجنة تقريرها النهائي إلى الاتحاد الأفريقي، موضحاً أن جولة المفاوضات الجديدة بين وفدي البلدين ستبدأ في 15 شباط المقبل بأديس أبابا. إلى ذلك، اقترح رئيس حزب الأمة المعارض الصادق المهدي «مائدة مستديرة» تضع خريطة طريق لنظام جديد يحكم السودان ويخلّصه من واقعه الحالي المأزوم أمنياً وسياسياً واقتصادياً، ووصف حكم البشير ب «الاحتلال الداخلي». وقال أمام آلاف من أنصاره في منطقة المرابيع بولاية النيل الأبيض في وسط البلاد، إن معارضتهم لحزب المؤتمر الوطني وحكومته لا تعني تصفية مؤسسات الدولة العسكرية والقضائية بل إعادة هيكلتها لتصير قومية ومحررة من السيطرة الحزبية، مشيراً إلى أن لا مجال لإطلاق تقرير المصير كآلية لتمزيق ما بقي من السودان. وقطع بأن دعوته إلى نظام جديد لا يزحزحه عنها وعدٌ بإغراءات في خصوص المشاركة في السلطة أو وعيد. وزاد: «جرّبوا الوعد والوعيد فوجدونا صامدين في مبادئنا ... وندفع الثمن مهما كان غالياً». وأضاف المهدي أن البلاد خضعت إلى «احتلال داخلي» صادر حريات المواطنين وفرض وصاية باسم تطبيق الشريعة، وبعد ربع قرن إلا قليلاً من هذا الاحتلال الداخلي تحت عنوان تطبيق الشريعة انقسم البلد على نفسه، وبات يواجه حرباً أهلية في ست جبهات، وما يساوي خُمس أهله هجروه وهاجروا. وحذّر من اشتعال حرب مذهبية في ظل تفرّق كلمة المسلمين في السودان بين نظام «يدعي أنه الوصي على الإسلام»، وآخرين كوّنوا جبهة تطالب بدستور إسلامي باعتبار الواقع الحالي بعيداً عن الإسلام، في حين أن آخرين يكفّرون كل ما عداهم ويستبيحون نفوسهم وأموالهم، إضافة إلى وجود جبهة مسلحة تُعلن فشل التجربة الإسلامية وتنادي بإبعاد الدين من السياسة نهائياً. وأكد المهدي أن السودان اليوم مأزوم أمنياً بتعدد جبهات القتال بين الحكومة المركزية وفصائل مسلحة، ومأزوم اقتصادياً ما أحدث ضائقة معيشية كبيرة، ومأزوم سياسياً لوجود اختلافات حادة بين الحكومة والمعارضة. ورأى أن ما يزيد الحالة الأمنية تردياً نزاعات مسلحة بين قبائل على الحدود، لافتاً إلى أن الحكومة الحالية لا تستطيع حل المشاكل مع دولة الجنوب لأن الحكومتين في الخرطوموجوبا على طرفي نقيض من الناحية الفكرية، موضحاً أن النظام الحالي غير مؤهل لإقامة علاقة دولية إيجابية لأن قيادته ملاحقة دولياً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. غير أن مساعد الرئيس السوداني نافع علي نافع اعتبر استمرار حكومته في السلطة وإنجازاتها «رسالة إلى عهود التيه والضلال والوعود الكاذبة» للذين حكموا السودان لأكثر من نصف قرن من الزمان وفشلوا في بنائه ويسعون الآن إلى إسقاط النظام الحاكم «بتحالفهم مع قوى الشر والفساد»، في إشارة إلى التحالف الذي أُبرم أخيراً بين المعارضة وحركات مسلحة. وأكد نافع في لقاء جماهيري في ولاية الجزيرة بوسط البلاد أمس أن حكم البشير هزم «المتآمرين والمتربصين» في ميدان الديبلوماسية والحرب ولذا لم يجدوا بُدّاً من التحالف مع «قوى البغي والاستكبار والصهيونية العالمية للنيل من عقيدة السودانيين وعزتهم وطمس الهوية والتوجه الحضاري». وأكد نافع أنهم لا يخافون إلا من الله لأن لديهم «حلفاً قوياً» مع الله، وفق قوله. وقال إن جميع الموقعين على وثيقة تحالف المعارضة والمتمردين «تحت مركوبنا»، مشيراً إلى حذائه. ورأى أن التحالف الجديد «يهدف إلى تفتيت السودان وإقامة سودان جديد لتحقيق أغراضهم الانفصالية»، مؤكداً أن «راية الإسلام والشريعة لن تسقط أبداً لأننا سنظل مدافعين عن مبادئنا الإسلامية». وأوضح أن من سمّاهم المتآمرين أرادوا بذلك «تفتيت السودان وأن يكرروا مأساة الأندلس».