فرزت الحرب الأفغانية عدداً من الحركات الجهادية التي شكلها من عرفوا لاحقاً بالأفغان العرب، كما أدى الانتصار على إحدى القوتين العظميين آنذاك إلى حصول ما يشبه «تضخم أنا قتالية» لدى هذه الجماعات، فظن قادتها ومنظروها ومنتسبوها أنهم قادرون على كسب أي معركة يخوضونها، سواء كانت في مواجهة نظام شمولي أو حكم عسكري أو حتى قوى عظمى وتحالفات دولية. تجاهل قادة الجهاد الجدد عوامل رئيسة ساعدت على هزيمة السوفيات، أبرزها الدعم المتفاوت في حجمه وأشكاله الذي كان يتدفق على المجاهدين الأفغان من قوى عالمية وإقليمية، إضافة إلى الوضع المزري الذي كانت تعيشه الإمبراطورية الشيوعية في عقدها الأخير، لا بد من الإشارة إلى الأمد الطويل للحرب التي استمرت حوالى عشر سنوات. هكذا، خاض الكثير من الحركات الجهادية معارك خاسرة منذ مطلع التسعينات وحتى اليوم، في الجزائر والشيشان والبوسنة وكشمير والعراق والفيليبين وفي أفغانستان نفسها مرة أخرى، وتلك الحركات تبدو على استعداد لخوض معركة جديدة في مالي، الانتصارات التي حققتها هذه الجماعات في جولات قصيرة وسيطرتها على مناطق لفترات متفاوتة لا تعني أبداً أنها قادرة على فرض سيطرة طويلة الأمد. يزداد الحديث هذا أهمية في الشأن السوري، خصوصاً بعد رحيل النظام الحالي، البلد الذي كان عدد متطوعيه في الحرب الأفغانية محدوداً مقارنة بمحيطه العربي، أصبح اليوم معنياً أكثر من غيره بالحركات الجهادية، مع القوة المتزايدة لجبهة النصرة، إحدى القوى الرئيسة المقاتلة للنظام. قد يبدو مفيداً مقارنة الحال السورية اليوم بنظيرتها العراقية قبل سنوات، تلك التي تسيّد المشهد فيها «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» الذي تحول إلى «دولة العراق الإسلامية»، سحب التنظيم الجهادي البساط من تحت قوى أخرى كانت تقاتل القوات الأميركية، ضمت عسكريين من الجيش العراقي المنحل وبعثيين وأفراداً من العشائر، وعلى رغم أنه تمكن من إيلام الأميركيين إلا أنه انتهى منبوذاً حتى من حاضنته الشعبية المفترضة في مناطق العرب السنّة بينما تم اغتيال معظم قادته، لكن الثمن الذي دفعه العراق كان كبيراً. الإشارات الصادرة عن جبهة النصرة حتى الآن، تدل على أنها ستسير في هذا الاتجاه، وسيكون قادتها على خطأ إذا اعتقدوا أنهم قادرون على ملء الفراغ الذي سينجم عن رحيل النظام الحالي. المجتمع الدولي أولاً، وشرائح واسعة من المجتمع السوري ثانياً، لن تقبل بذلك. سيكون مهماً تحديد الدور الذي تسعى جبهة النصرة لأن تشغله في سورية المستقبل، منذ مرحلة مبكرة، وقد يوفر هذا على السوريين، وعلى غير السوريين ربما، بل وربما على عناصر في الجبهة نفسها، المزيد من المآسي. * صحافي سوري