لم يكن صدفة أن تحصل كل هذه الأمور دفعة واحدة خلال أيام قليلة: تشكيل القيادة العسكرية العليا للثوار السوريين واستبعاد "جبهة النصرة"، اعتراف واشنطن بالائتلاف السوري المعارض، ووضع "جبهة النصرة" على لائحة الإرهاب الأميركية. لكن ما الرابط بين كل هذه الأحداث التي كان الظن أنها تستغرق وقتاً ليس بقصير؟ تتمايز المعلومات من الداخل السوري لكن مصادر رفيعة المستوى عسكرية وإعلامية وناشطين تحدثت إليهم "الحياة" اتفقوا على نقطتين: الاستخبارات التركية أدخلت عناصر "جبهة النصرة" التكفيرية إلى سورية من المعابر الشمالية التي سيطر عليها "الجيش السوري الحر" ب "غض نظر" أميركي على أقل تقدير. إذا كان ذلك صحيحاً، ماذا تغير حتى تصبح "النصرة" منبوذة؟! وهل تحول مقاتلو النصرة من "مجاهدين" إلى "إرهابيين" تماماً كما حصل في أفغانستان؟ يقول ناشط حقوقي بارز في دمشق ل "الحياة": "إن جبهة النصرة خلقها الغرب لكي يبرر تدخله العسكري في سورية لاحقاً وبالتالي سيصبح السيناريو الليبي على وشك التطبيق". ويوضح أنه بحسب المعلومات المتوافرة لديه فإن الحجة لذلك ستكون أن "الجيش السوري النظامي من حيث التدريب والسلاح الفردي لا يمكن مقارنة قدراته بمقدرات جبهة النصرة التي تعد أقوى وبالتالي سيتدخل الغرب بحجة أن لا قوى عسكرية محلية قادرة على احتوائهم". ويشير إلى أن "الهدف في الشمال كان منذ البداية السيطرة على الممرات الحدودية إلى تركيا، وليس حلب. الجيش الحر قام بذلك ومن بعدها أدخلت الاستخبارات التركية جماعة النصرة"، لافتاً إلى "احتمال قوي بأن ذلك قد تم برضى أميركي". ويضيف الناشط الحقوقي أن "التواجد الأساسي لجبهة النصرة هو في شمال سورية ودمشق، كما أنهم يملكون صواريخ ستينغر وأسلحة متطورة مضادة للدروع". من جهته، يؤكد المتحدث الرسمي باسم إحدى المجالس العسكرية الثورية ممن يقيم علاقات مباشرة مع بعض قادة "النصرة" وأفرادها سواء ممن التقاهم في المعتقل أو من خلال العمل الميداني، أن "هناك بالتأكيد غض نظر أميركي" عن جبهة النصرة، لكنه يشير إلى أن "المسؤول عن ذلك هو نظام الأسد". ويلفت في هذا المجال إلى أن النظام السوري "قام بعد الثورة بأشهر عدة بالإفراج عن جميع قادة القاعدة في سجونه وعددهم 43"، موضحاً أن هؤلاء "كانوا يتنقلون بين المحافظات السورية بسهولة أكبر من الناشطين... هذا شيء رأيناه بأم أعيننا". ويرفض المتحدث العسكري ذكر أسماء هذه القيادات لكنه يلفت أن "جميعها تعمل بأسماء حركية"، معتبراً أنهم "ليسوا بالسوء الذي يتصوره الجميع عنهم". ويلفت إلى أن "جماعة جبهة النصرة لا يجرون أي مقابلات صحفية ويفضلون ألا تنشر أي أخبار عنهم". وعن سؤال كيف التقت مصالح الحكومة التركية مع خصمها النظام السوري في رعاية "جبهة النصرة" التي تعتبر فرع تنظيم القاعدة في سورية، يوضح المتحدث العسكري بأن "التفسير الوحيد لذلك هو التقاء مصالح الطرفين على إضعاف الأكراد". ويشير إلى أن "عناصر النصرة يتحركون بحرية في المناطق المحررة التي يسيطر عليها الجيش الحر"، لكنها في الوقت نفسه "تعمل في قلب العاصمة دمشق، فوجود الجيش الحر ليس شرطاً لتحركها". هذا الأمر يؤكده المقدم في قيادة الجيش السوري الحر في حماه أبو مصطفى في اتصال مع "الحياة"، إذ يشير إلى أن "النصرة تتحرك بحرية تامة في مناطق سيطرة الجيش الحر"، معتبراً أن "الهدف واحد وهو إسقاط بشار". ويلفت أبو مصطفى إلى أن "التنسيق الميداني لتنفيذ العمليات بين الحر والنصرة لا يتعدى 20 في المائة في أحسن الأحوال". وفي هذا السياق، يصف ناشط حقوقي بارز خارج سورية في اتصال مع "الحياة" جبهة النصرة بأنهم "لا يهابون المعارك"، مشيراً إلى أنهم عندما "يعجزون عن اختراق موقع ما فإنهم يقومون بإرسال انتحاري بسيارة مفخخة". ويقول إن "غالبية هؤلاء الانتحاريين هم عرب وليسوا سوريين". من ناحيته، يوضح قائد لواء في الجيش الحر في ريف حلب ل "الحياة" أن "مقاتلي النصرة دخلوا عبر الحدود التركية لكن غالبيتهم جرى تهريبهم"، وأكد في الوقت نفسه أن "دخولهم كان بغض نظر أميركي واضح"، معللاّ ذلك بأن "كل أجهزة الاستخبارات تعمل بين تركيا وسورية وبالتالي لا يمكن عدم معرفة دخول هذه العناصر". ويشير القائد الميداني في الجيش الحر إلى أن "عناصر النصرة التي دخلت سورية كانت تقاتل في العراق وأفغانستان"، مضيفاً أن "النسبة الكبيرة ممن يأتون من خارج سورية هم من ليبيا وتونس والخليج والأقل من الشيشان". ويوضح أن "البعض القليل جدا غير مسلمين وقد أتوا لنصرة الثورة السورية"، كما أنه شهد "وجود 13 نرويجياً مسلمين يقاتلون في صفوف النصرة". ويشير قائد اللواء إلى أن "أولئك المقاتلين القادمين من الشيشان وأفغانستان تحديداً كانوا يقاتلون في صفوف القاعدة"، وأكد أنهم "يتمتعون بتدريب عالي المستوى. رأيتهم في حلب. هم دائماً في الخط الأول"، لافتاً إلى أن "مصدر تسليحهم من خارج سورية". ويؤكد القائد الميداني أنه من خلال احتكاكه الميداني بعناصر "جبهة النصرة" فإنهم "لا يحبون الظهور ويبتعدون عن المناصب والإعلام"، مشدداً على أن "هدف جبهة النصرة الرئيس هو فلسطين". ويلفت إلى أن "جماعة النصرة يريدون إسقاط النظام حتى يفتحوا جبهة الجولان ضد إسرائيل"، ويضيف انه على رغم معرفتهم بأن ذلك مرفوض بمعايير السياسات الخارجية "فإنهم لا يعترفون بهذه المعايير والاتفاقيات"، معتبراً أن نشوب "صدامات بين الجيش الحر والنصرة بعد انتصار الثورة أمر ممكن". وفي سياق الكلام الأخير للقائد الميداني في ريف حلب، يفيد أحد أعضاء القيادة العسكرية العليا المشكلة حديثا للجيش الحر أن أحد مطالب الأميركيين الأساسية في المفاوضات مع الثوار "عدم تحريك جبهة الجولان عند انتصار الثورة". وربما يعني ذلك أن ورقة "النصرة" قد سقطت في ظل التسويات على سورية الجديدة، خصوصاً أن هذا القيادي العسكري الأخير يؤكد أنه تم استبعاد "جبهة النصرة" من التشكيل الجديد لقوات الثورة! توحي التطورات لناحية الاعتراف الأميركي بالائتلاف بعد تردد وإنجاز الهرمية القيادية الجديدة للمقاتلين الثوار في سورية بانتظار الاتفاق النهائي بين الائتلاف والقيادة العسكرية، بأن ثمة اتجاها نحو الحسم وقد اكتملت عناصره: الاعتراف بالائتلاف، تشكيل قيادة عسكرية موحدة واستبعاد "النصرة" منها، كما وضعها على لائحة الارهاب الأميركية، والسلاح الكيماوي... بانتظار السلاح النوعي الذي يبقى رهناً بالاتفاقات النهائية بين الأطراف الدولية والسورية وهذه الاخيرة بجناحيها العسكري والسياسي في ما بينها.