تتزين غالبية شوارع محافظة الطائف بالكتل الخرسانية المطلية باللونين الأبيض والأحمر أمام أعين مرتاديها من سائقي المركبات، كل يوم برداء مجازي أشبه بما كانت ترتديه قارئة فنجان نزار، التي أخبرته بما يحمله له الغيب عن محبوبته، إلا أن الإخبار عن الحال قد اختلف بين قارئة فنجان نزار، وقارئة فنجان شوارع الطائف، فالكتل الخرسانية لم تكل ولم تمل من ترديد جملتها النزارية الشهيرة للسائرين على الرداء الأسود لتصدح ب «طريقك مسدود .. مسدود» بلحنٍ لا يطرب السائقين، بل قد يزيد من عنائهم روحة ومجيئاً، لتكون ردود حالهم ل «الصبّات»، «إن كنت أعز عليك .. فخذ بيديّ» لتستجيب لهم طوعاً وتأخذهم مرغمين، عبر متاهاتها إلى أبعد مما كانوا يتصورون. أخيراً أصبحت شوارع عروس المصائف لا تخلو من «الصبّات» التي تكاد أن تكون أشبه بعقد من اللؤلؤ الأبيض تتزين به الشوارع، لتحدد خريطة الطريق الجديدة أمام المتجولين في شوارع الطائف لتحدد مسار رحلة سيرهم الجديد، والتي لا يستطيع السائق المرور خلال الشوارع المحوّلة أخيراً إلا راضياً بقدر شاء أن يكون أمره مناطاً بتحويلات المشاريع، فلا التوصيف يجدي ولا المعرفة المسبقة بالطرق، بل وحتى أصبحت أجهزة تحديد الطرق عبر الأقمار الاصطناعية «ماجلان» تجهل كيفية الوصول إلى المكان المطلوب، دون الاصطدام بطريق محوّل لا تعلم التكنولوجيا كيف ستوفر طريقاً آخر دون «تحويلات» وازدحام. تلك المتاهات التي شبهها قاطنو الطائف للوصول إلى المكان المطلوب، على طريقة «أذن جحا»، فالالتفاف والدوران والدخول من شارع والخروج إلى آخر، للوصول فقط إلى الشارع المقابل، كما هو الحال في المنطقة المركزية في البلد. «الصبات» وصلت لمشارف جامعة الطائف، فمروراً بشارع الستين في الحوية، وتحديداً قبل ما يقرب إلى 500 متر من جامعة الطائف، لا تسمح الكتل الخرسانية الرابضة إلا لمرور سيارة واحدة، لتستحوذ على أكثر من ثلثي الطريق وتترك ثلثه للسائقين. المتاهات الخرسانية لم تكن وحدها من تسير الشوارع الطائفية، بل إن إغلاق الطريق المؤدي إلى متنزه الردف، حدا بالأمانة إلى استخدام أرض فضاء أزالت جزءاً من جدار سورها، ليكون طريقاً ترابياً لبضعة أمتار قبل أن يصلهم بالعالم الآخر من متنزه الردف المجدد جزئياً، الذي دللت على طريقه لوحة أشارت إلى موقع «حديقة الحيوان» فيه، إضافة إلى شارع الستين الموازي لشارع شهار الذي انتهكت الحفريات حرمته، وزادته ازدحاماً مما هو عليه بالأساس.