إثر هجوم المجموعات الاسلامية المسلحة على منطقة موبتي وسط مالي في العاشر من الشهر الجاري، طالب الرئيس المالي الانتقالي ديونكوندا تراوري بدعم عسكري من مجلس الأمن، والدعم الفرنسي على وجه التحديد. في اليوم التالي، رحب فرانسوا هولاند بطلب باماكو، لكنه رهن تلبيته بمشاركة «الشركاء الافريقيين» في العملية وبالتزام قرارات المجلس. ومنذ مطلع الأسبوع، بلغت ازمة مالي منعطفاً جغرافياً سياسياً. فالمجموعات المسلحة سعت الى إحكام قبضتها على جنوب مالي لتعزيز مكاسبها العسكرية الاستراتيجية. لذا، دعا رئيس الاتحاد الافريقي، يايي بوني البنيني، الى مساعدة عسكرية من حلف شمال الاطلسي. فالإرهاب الاسلاموي هو خطر عالمي، في رأيه، وتتولى فرنسا قيادة القوات الأوروبية البالغ عددها 400 جندي. ولن تجهز هذه القوات قبل شباط (فبراير) المقبل، وهي ترمي الى تدريب ما تبقى من الجيش المالي وتأهيله وإعادة هيكلته وتأمين الدعم اللوجيستي له. وتتصدر الأولويات الفرنسية الحفاظ على وحدة الاراضي المالية وسيادتها. ووجب على فرنسا في بادئ الامر أن توجه تحذيراً حازماً الى المسلحين وألا تكتفي بتهديدات جوفاء. لكن دواعي التحفظ الفرنسي لا تجافي المنطق. ففرنسوا هولاند هو رئيس دولة ديموقراطية ولا يملك صلاحية إرسال جنود فرنسيين ليموتوا في الخارج من غير التزام آلية القرارات الدستورية. ففي وقت يبادر الى سحب قوات بلاده من أفغانستان، قد يطعن الفرنسيون في مسوّغات قرار رئيسهم إرسال قوات أحادياً الى مالي، ويرون انها واهنة. فالتدخل الفرنسي يرفع لواء مكافحة الإرهاب، ولا يستسيغ الفرنسيون مثل هذا اللواء، ويرون ان الحرب على الارهاب غامضة وملتبسة. لا شك في ان ثمة حرباً في مالي، لكنها من غير عدو واضح المعالم، وهي حرب من نوع جديد. وسبق للباحث في الشؤون الاجتماعية والسياسية، ريمون آرون، أن خلص الى ان كل حرب تغير طرق الاقتتال وقواعد الحرب، وتقلبها رأساً على عقب. فالحرب تشرّع الأبواب على المجهول، كما يقول كلاوستفيز، وفي مالي الحرب غير متكافئة وغير تقليدية وغير نظامية. ولكن، لماذا لا يبادر جيش مالي الى مهاجمة «طالبان» غرب افريقيا؟ يبدو ان القرار 2085 الأممي الذي أجاز نشر قوات افريقية في مالي شل يده. ولكن هل يملك الجيش المالي قدرات استراتيجية تخوّله خوض مثل هذه الحرب الضروس؟ وعلى رغم عدم إلمام سائر الناس بتفاصيل الاستراتيجيات العسكرية، لا يخفى عليهم ان فرنسا لن تخوض الحرب نيابة عن الماليين من دون أن يدلوا بدلوهم فيها. وإلى اليوم، يبدو ان الجيش المالي هو جزء من المشكلة والحل، وسرعة سقوط مدن مالي الرئيسة في ايدي المقاتلين الاسلاميين مخجلة. فتفوق المسلحين الاستراتيجي وهجومهم الساحق هما بمثابة وصمة عار قد تساهم في إحياء المشاعر الوطنية المالية لجبه المقاتلين. فسونديتا كيتا، مؤسس مالي في القرن الثالث عشر، جعل الشرف ركن امبراطوريته الشاسعة. * معلّق، عن «لو بيي» البوركينية فاسوية، 11/1/2013، اعداد منال نحاس