تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسبوعين مسودة لأسئلة أعدها أحد الأساتذة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في اختبار «سير الدعاة» لطلاب البكالوريوس، الغريب في هذه الأسئلة أنها كانت تركز على منطقة معينة، وتحديداً المنطقة الجنوبية من المملكة ووصمها بالشرك، وكثرة البدع، والتوسل بالقبور والصالحين قبل أن يفد إليها أحد العلماء من نجد. وبصرف النظر عن صدقية هذه الأسئلة، من حيث أنها أعدت للطلاب أو عدمه، وبصرف النظر عن الدفاع أيضاً عن المنطقة الجنوبية المعروفة بتاريخها العريق قبل الإسلام وبعده ولا يتجاهله إلا الجاهلون، فإن الجمهور الذي خاض في هذه المسألة وأفرد لها «هاشتاقاً» خاصاً على «تويتر»، كان يتساءل عن الهدف من هذه الأسئلة التي لا تليق بأستاذ جامعي يتحمل الأمانة والمسؤولية في تشكيل فكر الطلاب الذي من المفترض توجيهه إلى إصلاح الفكر وتنقيته من شوائب الأدلجة، والشحن ضد منطقة تشكل جزءاً كبيراً ومهماً من الوطن، وتشويه تاريخها بقصد الإهانة، والتحقير، والتقليل من شأن أهلها، وما يقدمونه لوطنهم من خدمات كسائر سكان الوطن المعنيين بالتنمية والتطوير في سائر المجالات. ماذا يريد هذا الأستاذ من طلابه، هل يريد منهم أن يشدوا الرحال إلى المنطقة ورفع راية الجهاد ضد سكانها، بحجة أنهم كانوا من المشركين، مع أن سكان المنطقة وقبل الإسلام معروفة تاريخياً أنها من أهل الديانات السماوية في الجاهلية ولم تظهر فيها الوثنية؟ هل هذه المادة حقيقة مدرجة ضمن المنهج، أم أن هذا الأستاذ - الذي لا يستحق هذا اللقب، إن صح هذا السلوك منه - يجتهد لتكريس المناطقية وإشعالها في فكر الطلبة؟ وإن وجد هذا المنهج، فهل يُعقل أن جامعة إسلامية بحجم هذه الجامعة، ووزارة التعليم العالي تقره بمثل هذه النعرات والمغالطات المتعمدة؟ يا تُرى ما دور الجامعة؟ هل هو تربوي، أم تكريس للهمجية، وإذكاء المذهبية، وشحن فكر الطلبة بالبغض والتحريض ضد المنطقة المذكورة؟ سبق أن تكلمت هنا قبل ثلاثة أسابيع تقريباً عن المنهج الخفي الذي يبثه المعلمون انتصاراً لفكرهم، وتحقيقاً لأهدافهم، ومخالفتهم للمنهج الرسمي بغايات الهيمنة على عقول الطلاب والتأثير عليها بأفكار مشوشة تهدم ولا تبني، وتغرر بالطلبة إلى منعطفات خطرة تضر بالوطن ومواطنيه، وتهدف إلى العزلة عن الواقع، وترشدهم إلى التطرف، والغلو، ليكونوا كالقنابل الموقوتة ضد وطنهم؟ إذا كان هذا الأستاذ الجامعي بمثل هذا الفكر الجاهلي المتغطرس الساعي إلى تلميع منطقته وشيخه على حساب منطقة من دون الأخرى، فما الهدف من وضعه في هذا المكان للتدريس، مع وضوح البرهان والدليل على ضلال فكره، وسعيه إلى إحياء الفتنة والتهييج ضد منطقة بأكملها؟ ألا يوجد من يعقب ويراجع خلفه، أم أن الجامعة تترك منسوبيها بلا رقابة يسيرون بحسب أهوائهم؟ أليس المفترض من الجامعة تعزيز الروح الانتمائية للوطن والاعتزاز بكل مناطقه التي تدين كلها بعقيدة واحدة صافية، وليست عقيدة مبنية على سوء الظن والتشكيك في ديانات أهل المناطق لغايات مريضة مستترة خلف العنصرية، والإقليمية، وبعث الفرقة، وتوسيع رقعة الفتن والتصنيفات التي تفوح منها رائحة العفن المناطقي البغيض، يجب ألا يمر هذا السلوك من هذا المعلم مرور الكرام، وعلى الجامعة معاقبته بما يليق بفداحة أسئلته المريبة المغلوطة، لتثبت صدق منهجيتها وبراءتها من الأفكار المتشنجة من بعض منسوبيها الذين يفتتون أركان الوطن لاختلال معاييره في مقاييس الوحدة الوطنية وصدق الانتماء، والعمل من أجل رفعته، وإرساء قواعد الوحدة الوطنية التي عمل المؤسس الملك عبدالعزيز، رحمه الله، على تحقيقها. [email protected] @zainabghasib