تشهد الساحة الثقافية والأدبية إعلان عدد غير قليل من الجوائز المناطقية، التي تستهدف تنافس مثقفي منطقة معينة في مجالات الإبداع المختلفة، بشكل حصري لا يتجاوز الحدود المعروفة لمناطق المملكة.. بما يستوجب البحث في جدوى مثل هذه الجوائز المناطقية، من عدة جوانب: ألا تعتبر هذه الجوائز مدعاة لتكريس المناطقية من النافذة الثقافية التي ينبغي أن تكون مفتوحة على كل مناطق المملكة.. ما الدور الذي يمكن أن تلعبه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إضعاف الروح الوطنية في مقابل تعزيز العشائرية والقبلية بحسبان أن مناطق المملكة تقوم في الغالب على هذا التصنيف.. وفي المقابل ألا يمكن اعتبارها تنشيطًا للحركة الثقافية في الحيز المحدد بما يعني المساهمة في تنشيط الحراك الثقافي في المملكة بعامة.. أليست بصورتها الحالية تمكن القائمين عليها من اختيار الأجود من بين المتنافسين نظرًا لحصر المساحة ومحدودية العدد المتنافس، بما يساعد على مزيد من التجويد.. المشاركون في هذه القضية تفاوتت آراؤهم حول الجوائز المناطقية إيجابًا وسلبًا وفق ما طرحوه من آراء.. أمر طبيعي رؤية الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيفي، عضو مجلس الشورى والأستاذ بجامعة الملك سعود، الإيجابية للجوائز المناطقية عبّر عنها استهلالًا بقوله: أمر طبيعي أن تكون هناك جوائز على مستوى المدن، والمحافظات، والمناطق، والأقطار، والأقاليم، والقوميات، والعالم. ولا أرى مسوِّغًا للتوجّس من كل بادرة تنموية، بل لا أرى ما يدعو لطرح فرضيّات سلبية في طريق أي تجربة قبل خوضها. وهذه من معطّلات كثير من مشروعاتنا، حينما تقفز أمامنا عبارة: «ولكن ماذا لو...؟!». ويضيف الفيفي: ليس هناك أي عمل يخلو من السلبيات، أو احتمالاتها. غير أن المنهج السديد هو في معالجة السلبيات الناجمة بحسبها، لا في إلغاء الفكرة من أساسها، بحجّة أنه قد يحدث كذا أو كذا. وينبغي أن يكون لكل جائزة معايير تتوخّى الدِّقة والموضوعية والنزاهة. وحينما تُمنح الجوائز على أُسُسٍ علمية، فلا شكّ في أن لها دورًا في دعم مسيرة الثقافة المحلية، على أي مستوى من المستويات. وعليه، لا يمكن تعميم حُكم على جميع الجوائز، بيد أن الجائزة التي لا تقوم على معايير موضوعية، تفقد قيمتها مهما بلغتْ، سواء أكانت مناطقية أو غير مناطقية. وما يستأهل التقدير من الجوائز عمومًا - سواء من قِبَل الفائز أو الناس- هو ذلك النوع الذي يخضع للتحكيم الموضوعي، لأن الفائز بجائزته يكون قد حظي بتقديرٍ علمي ومعنوي يفوق قيمة الجائزة المادية. ولهذا كان على كل جائزة تحترم نفسها أن تُوكل أمر الحُكم على الأعمال الفائزة إلى محكمين، يخضع تحكيمهم ذاته إلى تحكيم، وأن تكون المعايير في جميع الأحوال صارمة مطّردة. على أنه يجب التفريق هنا بين الجائزة والتكريم. فالجائزة يفترض ألا ينالها إلا مستحقها، بناء على تحكيم علمي نزيه. وعندئذٍ لا يكون للمناطقية علاقة بالموضوع. ويستدرك الفيفي بقوله: وبالرغم مما تقدم من مشروعية منح الجوائز (مبدئيًّا)، فلا ننسى أن منح الجوائز قد بات من أسهل ما يمكن، فمن السهل أن يُعلن عن جائزة، وتُرشح بضعة أعمال، تفاضل بينها لجنة ما، وتوزع الجوائز. فما الذي جنته الثقافة من ذلك؟ أما كان أجدى لو أنفق مبلغ الجائزة على نشاط ثقافي، أو عقد مؤتمر علمي، أو طباعة كتاب قيّم أو أكثر من كتاب؟ والأدهى ألا تحكم الجائزة معايير موضوعيّة دقيقة. تلك هي المشكلة. وحينئذٍ فإن الجائزة تروّج لأعمال رديئة، أو دون المستوى، لتسهم في ترسيخ درجة متواضعة من العطاء، أو نشر توجّهٍ تقليدي أو فكريّ معين. ويختم الفيفي بقوله: ولعل أنسب جهة يمكن أن توكل إليها مهمّة النظر في منح الجوائز هي الجامعات. فالجامعات هي الجهة القادرة على وضع آليات نزيهة في منح الجوائز. ولا أعني أن تقوم على الجائزة جامعة بالضرورة، ولكن أن تكون الجهة الاستشارية المختصّة، ومُعِدَّة معايير التقييم، والمشرفة على تطبيقها، بطريقة أو بأخرى. النظر إلى الأهداف ذات الرؤية الإيجابية التي استهل بها الدكتور الفيفي، تجد التعضيد والسند في رؤية الدكتور سعيد بن مسفر المالكي المشرف على كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال، الذي يقول: لا شك أن الجوائز التي تُخصص للجوانب الثقافية والفكرية والمعرفية في أي مجتمع تسهم بشكل واضح وفاعل في رقي ذلك المجتمع وتقدمه في مجالات تلك الجوائز ودعم جوانب تفوقه فيها. وفي رأيي أنه لا ضير من تعدد الجوائز باختلاف مجالاتها وتنوع أماكنها، بيد أن الضرر الأكيد من هذا التعدد قد يتمثل في الأهداف التي وضعت لهذه الجوائز والغايات التي تسمو لتحقيقها، فلا بد أن يكون هدفها الرئيس التنافسية تحت مظلة وطنية واحدة لا يفرقها عرق أو جنس أو مذهب. ولا أظن أن هناك على أرضنا الوطنية من يحاول أن يجد مناخًا مشحونًا برائحة التعصب والعنصرية من خلال إقامة الجوائز ودعم حضورها، بل إن الجميع يهدفون إلى إذكاء روح التنافس في المجالات المعرفية والفكرية والأدبية لهذا الوطن المعطاء، فالفكر المعتدل الذي يتسم به الإنسان السعودي يرسم على خارطة واقعنا المعاصر نماذج مميزة وعالمية في سمو هذه الجوائز والغايات النبيلة التي تنشدها، هذا ما ألحظه على ساحتنا الوطنية في الكثير من المجالات بل شفافية ومصداقية. تكريس المناطقية القاص محمد علي قدس، ومن موقعه أمينًا على جائزة محمّد حسن عوّاد للإبداع التي ينظمها أدبي جدة يقدم رؤية تخالف سابقيه، أفصح عنها بقوله: ظاهرة الجوائز الأدبية التي تتأسس تحت مظلة الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية، ظاهرة صحية لا يمكن أن نعترض على انتشارها والتوسع في مجالاتها، لتحفيز المبدعين في مختلف المجالات الأدبية والفنية والإعلامية؛ بل إن من بين الأهداف التي تدخل في طبيعة الأندية الأدبية الثقافية والدور الذي تقوم به للنهوض بالأدب والإبداع، التواصل مع الأدباء والارتقاء بمستوى المبدعين وتشجيعهم، وتنظيم المسابقات الثقافية والجوائز الإبداعية، ولكن أن تكون هذه الجوائز مخصصة لأدباء المدينة أو المنطقة التي يمثلها النادي أو المؤسسة التي تبنت الجائزة والجهة التي مولتها، فإن ذلك يعد تكريسًا لمبدأ المناطقية، والتفريق بين الأدباء والمثقفين المبدعين حسب انتماءاتهم للمدينة أو المنطقة، لا الانتماء للوطن، عندها سيكون عطاء الجائزة والغاية منها محدودًا ولا يتعدى حدود المنطقة التي تمثلها وتخصص لمثقفيها، في الوقت الذي تنطلق فيه أهداف كل مؤسسة ثقافية أو نادٍ أدبي أو جمعية لدعم المواهب الفنية في مجالات الفن المختلفة، هو تحقيق هدف واحد هو النهوض بالحركة الأدبية والإبداعية في الوطن كله وليس منطقة بعينها، قد تكون الأولوية والجانب المهم لخدمة ثقافة وتاريخ المنطقة ومثقفيها، إلا أن الهدف الأسمى هو تفعيل المشهد الثقافي في البلاد وتشجيع الأدباء في مختلف مناطق الوطن. ويختم قدس بقوله: حين انطلقت جائزة محمد حسن عوّاد للإبداع ومعها جائزة أدبي جدة للدراسات النقدية التي يرعاها ويدعمها الأستاذ أحمد محمد باديب، وقد أنشئت تحت مظلة النادي الأدبي بجدة، كان يمكن أن يحصرها صاحبها وراعيها في أدباء ومبدعي مدينته التي يعشقها وينحاز لها بحبه وولائه لها وهي مدينة جدة، لكنه أطلقها لتعم البلاد وتشمل كل أدباء الوطن المبدعين في كل مناطقها ومدنها وقراها. وقد فاز بجائزة العوّاد في الإبداع في الدورة الأولى لها في الشعر، التي أعلنا نتيجتها في بداية هذا العام الشاعر المبدع الأستاذ عبدالله الزيد وهو من الرياض. إيمانًا منّا بأنّ الهدف الحقيقي هو الأديب المبدع في الوطن كله. لا يقلل من أهمية أي جائزة إلا أن تكون في نطاقها المناطقي الضيق، حيث تصبح فائدتها وقيمتها محدودة. تشرذم وتشظّي الشاعر محمد الشدوي ابتدر مداخلته بقوله: حقيقة هذا موضوع شائك جدًّا؛ فالمناطقية هي التشرذم والتشظي وإن كانت ملموسة في وسائل الإعلام الشعبية التي تغذي هذا الاتجاه القبيح، فهناك إعلام يعيد إنتاج القبيلة في القرن الواحد والعشرين بأسلوب تقني فني، فإذا كنت تقصد بالمناطقية إلغاء الآخر وتهميش فكر المثقف فهذا منعدم في الأندية الأدبية؛ لأن القائمين عليها يدركون خطورة تهميش الآخر القادم من منطقة أخرى، وسأتوقف قليلًا عند نادي الباحة الأدبي لمعرفتي بالقائمين عليه ومعرفة أفكارهم، فالنادي تنعدم فيه المناطقية انعدامًا تامًا، بل البعض من أبناء المنطقة اتخذ موقفًا سلبيًا من النادي، لأن النادي يدعو الآخر ويهمش أبناء المنطقة، والآخر هنا قامات ثقافية ساهمت في نشر الوعي والحراك الثقافي وهي أولى بالمنبر، وتوجه النادي صحيًا في إعطائها الأولوية، وفي ملتقى الشعر العربي الأول الذي نظمه النادي على هامش جائزة النادي والتي فاز بمركز الأول قامة نقدية من خارج منطقة الباحة، كان الحضور من خارج المنطقة كثيفًا وترك لأبناء المناطق حيزًا جيدًا لتواجد شعراء المنطقة والاستفادة من تجارب الآخرين الأدبية، وفي أمسيات النادي أستطيع أن أقول إن نسبة أبناء المنطقة تعادل ربع أو الثلث الأمسيات التي يقيمها النادي. وهناك فهم خاطئ لدور الأندية الأدبية، فالدولة لم تضع الأندية الأدبية للتقوقع، بل للاستفادة وإفادة الآخرين.. ويضيف الشدوي: وكما أسلفت المناطقية داء يجب استئصاله أولًا بالوعي، وثانيًا بالمحاسبة، ويجب ألا تنحصر الجوائز الأدبية على أبناء المنطقة بل تتعدى ذلك إلى كل أبناء المناطق، فالجوائز باعث ودافع ومحفز للإبداع والإبداع كائن جميل يستحق أن يحلق في سماوات الوطن وألا يحصر في منطقة وتستبعد أخرى لخطورة الإقصاء على النسيج الثقافي للوطن واستعادة القبلية بصورة سيئة.. وأين؟ لدى النخبة، التي يفترض أن تحارب هذه الآفة.. فالتنشيط الذي يقوم على الانعزال والإقصاء لا خير فيه، . ويختم الشدوي حديثه بقوله: إن المناطقية واستشراؤها في مؤسسات المجتمع المدني بصفة عامة والأندية الأدبية بصفة خاصة نذير شؤم، فهي هدم لمعيارية التميز فيصبح المعيار المنطقة بدل الكفاءة، والنتيجة بخس الكفاءات الأدبية وضياع الحقوق، . ابتعاد عن الحمولات السلبية ويعمد الدكتور عبدالله البريدي إلى منهج التفكيك للوصول إلى رأي سليم حول القضية بقوله: كي نظفر بتحليل دقيق للجوائز الثقافية على مستوى المناطق، ينبغي لنا أن نضع في الاعتبار جملة من المسائل التي يمكن أن تعيننا على بلورة رأي أو توجه حيال تلك الجوائز. نحن إزاء ثلاث كلمات مفتاحية، إن أفلحنا في تحليلها وتحديد معانيها بدقة فإننا سوف ننجح في تكوين رأي أو توجه سليم، وتلك الكلمات هي: جوائز - ثقافية - مناطقية. لنقف عند كل منها بشكل مختصر.. * الجوائز: تشير إلى فعاليات تكريمية لمنجز أو شخص معين، ضمن طقوس ذات بعد رمزي، يعزز البعد الاحتفائي بالشيء المكرم؛ ما يجعل لها قيمة في أوساط المنتمين للجماعة التي ُيكرم بعض أفرادها. ومؤكدا أننا إزاء منجزات ثقافية عديدة، الأمر الذي يؤكد أهمية تعدد الجوائز وتنوعها. * ثقافية: لها دلالات عديدة ولعل من أهمها في سياق حديثنا أن الثقافة تبرهن على ضرورة تعدد الجوائز كي تعكس تنوع الأبعاد الإبداعية للفعل الثقافي في سياقاته المختلفة، وهنا نظفر بمعزز ثانٍ للتنوع في الجوائز الثقافية. * مناطقية: استخدام هذه الكلمة في سياقات عديدة قد يوحي لنا أو لبعضنا بحمولة سلبية، وذلك أنها قد تعني أو تؤدي إلى شكل أو قدر من التعصب للمنطقة، وكشف أو فضح هذه الدلالة يعيننا على تجاوز هذه الإشكالية، وذلك بتبرئة كلمة المناطقية من تلك الحمولة، على الأقل في سياقات تؤكد حقيقة وجود مناطق عديدة في البلد مع ما تتوفر عليه من تنوع في الفعل والمنجز الثقافي، بالإضافة إلى كثرة الشخصيات الثقافية التي تستحق التكريم والاحتفاء في تلك المناطق، خاصة أن الجوائز المناطقية تتطلب دعمًا ماليًا، ونحن ندرك بداهة أنه يمكن استدراج الدعم من أثرياء كل منطقة بحكم استعدادهم لتقديم دعم أكبر لأبناء منطقتهم في ضوء الشعور العام بالوطنية والانتماء لكل أجزاء الوطن. وهذه النظرة تكسبنا معززًا ثالثًا للتنوع في الجوائز. إذن التحليل السابق يقودني - وفق معززات ثلاثة - إلى القول بأن الساحة الثقافية السعودية تحتاج - ولا أقول تتحمل - وجود جوائز عديدة ومتنوعة في سائر المناطق، فلنكن إيجابيين وواقعيين ولنبتعد عن استنبات حمولات سلبية لا مسوغ لها في تربتنا الثقافية، وأحسب أن هذا التعاطي المرن سيحمل العديد من المنافع للفعل الثقافي السعودي في مختلف جوانبه. تكريس مبدأ التميز ويرى الدكتور عبدالله غريب عضو مجلس إدارة أدبي الباحة في المساحة القارية الفريدة للمملكة العربية السعودية وأبعاد المسافات بين مدنها سببًا في تكريس بعض العادات والتقاليد التي لا بد من المحافظة عليها باعتبارها إرثًا يجب التمسك ولو بأهدابه ضمن النسيج الاجتماعي الذي يشكل مساحة الوطن بأكمله، وما تخصيص جوائز في كل منطقة إلا لتغطية المساحة السكانية الشاسعة التي في النهاية تصب في مصلحة المستهدفين بهذه الجوائز بوجه عام.. مضيفًا بقوله: أذكر أن الباحة مثلًا كانت تحتضن جائزة الأمير محمد بن سعود أمير المنطقة سابقًا لحفظة كتاب الله الكريم، وبقيت عدة سنوات يحضرها كبار المسؤولين من الأمراء والوزراء والمشايخ وأئمة الحرمين الشريفين، ثم استحدث الأمير فيصل بن محمد بن سعود جائزة الفنون التشكيلية، وظلت قائمة إلى عهد قريب، ثم اليوم يتبنى الأمير مشاري بن سعود أمير المنطقة حاليًا جائزة الإبداع والتفوق تعنى بتحقيق الريادة وتميز الأداء الإداري والتعليمي ورعاية الموهوبين بمنطقة الباحة، وتسعى إلى التشجيع للعمل بكفاءة في منطقة الباحة بمختلف المجالات والتخصصات، تضم الجائزة ثمانية فروع هي حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية، والتفوق الدراسي للطلاب والطالبات في التعليم العام والجامعي، وجائزة شخصية العام الثقافية، وفرع المواهب الأدبية والفنية، وكذلك الابتكارات العلمية، وجائزة الأداء المتميز والبحث العلمي، وحماية البيئة، ولأن معظم هذه الجوائز التي تنشأ في المناطق تستهدف الطلاب والطالبات ومن يقدم خدمة للمواطن والوطن فقد تتشابه وقد تتباين في آليات منحها وظروفها ومبالغها النقدية؛ ولكنها تتحد في الأهداف التي لا تخرج عن استثمار العقول والنجاحات التي تتحقق في وطن بحجم المملكة العربية السعودية، ومن وجهة نظري الخاصة أعتبرها ظاهرة صحيّة لأنها تقوم على التشجيع لكل إبداع، وكل نجاح، وتحفز على التفاني في سبيل التفوق في مجالات منحها التي تصب في النهاية في مجال يجمعها يتمثل في التنافس الشريف الذي يوصل الوطن إلى خارجه إقليميًا وعربيًا وعالميًا، واعتقد أننا حققنا من خلال هذه الجوائز وصولًا إلى ذلك الهدف الأبعد الذي خرج بها من المناطقية إلى الوطنية إلى ما هو خارج حدود الوطن. خالصًا إلى القول: أعود فأقول إنّ هذه الجوائز سنّة حسنة ويجب المحافظة عليها وتنميتها والمساهمة في إبرازها إعلاميًا ومجتمعيًا، وأن نشجع على التنافس على نيلها لأنها في النهاية تبرز لنا الكثير من المواهب، وتعطي مؤشرات بعيدة المدى لما قد يخدم الرقي ويعزز مبدأ المنافسة والتنافس الذي يفضي إلى خدمة الوطن والمواطن ويؤدي إلى التنافس وشحذ الهمم للطاقات في كل مجالات الإبداع والأداء الأمثل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها هادمة للحمة الوطنية أو أنها ستؤثر على المواطنة أو تضعف الوطنية؛ بل بالعكس أنها تكرس مبدأ التميز ومن يتميز في مجال ما بالتأكيد سينعكس هذا على الوطن إيجابيًا، وأتمنى أن يساهم رجال المال والعمال في دعمها ماديًا، وأن يساهم الإعلام في إبرازها إعلاميًا، وأن تشمل جميع المناطق على أقل تقدير، وأن ينشأ جوائز على مستوى الوطن يجمع شتاتها في جوائز تقديرية من الدولة التي تحرص على تنمية ورقي تفكير أبنائها سواء طلابًا أو عاملين، فهي في النهاية تدعو للتميز الذي هو هدف أسمى لدى السكان والمكان. فرز السمات وتنظر الدكتورة عائشة الحكم إلى الجوائز المناطقية على وجه إيجابي يتجلى في قولها: أنا مع هذه الرؤية تنشيط الحركة الثقافية في كل منطقة واستدراج جميع الأصوات، أيضًا ستترك مجالات لدى المهتمين ويشعرون أنهم محل رعاية واهتمام وسنستغني عن عباراتهم المكررة «لم يهتم بإبداعي وثقافتي أحد»، وقولهم «لم أجد تشجيعًا أو رعاية لمواهبي».. وتمضي الحمي قائلة: كنت قد طرحت في الاختبارات سؤالًا في «الأدب السعودي» للفرقة الرابعة لطالبات الانتساب في كلية الآداب مفاده: هل تتابعين الحراك الأدبي والثقافي المحلي، إذا كانت الإجابة سلبية أذكري السبب.. كانت الإجابات مؤلمة وكأنني اسمع صوت الأمية الثقافية تطل برأسها، أما السبب فحدث ولا عجب؛ معظم الأسباب - كما جاءت في الإجابات - لم أجد تحفيزًا ولم أجد تشجيعًا، الساحة الثقافية قائمة على الربح والكسب المادي، وهكذا أتوقع أن التركيز على مساحات محددة سيلبي رغبات مثل هذه الفئة، المشكلة أن الشباب أصبح يعاني من الاتكالية، إنهم يرغبون في طرق أبوابهم حتى ينشر لهم ويعرف بهم.. ولهذا فمن الممكن أن تكون هذه فكرة جيدة، إذ ستسهم الجوائز المناطقية في زيادة وتيرة المنافسة، بالمشاركات والنتاج الثقافي، وتزداد مساحة الأجود وتتسع مساحة الخيارات أمام المتلقي في الداخل والخارج، ونحن نقدر أنّ لكل منطقة ثقافة تتميز بها عن أخرى وهذه الحفاوة ستترك لها مجالًا في التعريف بها، ومن ثم يسهل على المتابع فرز السمات ومن ثم إعادة تجميعها لتكون الصورة الثقافية لكل أجزاء الوطن مكتملة.