أوضحت دراسة علمية حديثة أن مفهوم الستر يعاني عدم وضوح لدى أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ تحتاج مفاهيم حفظ سر المحتسب عليهم وعدم التجسس عليهم وحسن الظن بهم وعدم البحث عن ماضيهم إلى مزيد من الإيضاح. وتناول الباحث عبدالمحسن بن سليمان التركي في دراسته «السَّتر على المحتسب عليهم... دراسة ميدانية تقويمية على إجراءات الستر في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة الرياض»، وخلص إلى أن إجراءات السَّتر على المحتسب عليهم تحتاج إلى مزيد من الإيضاح في كيفية الستر والمنكرات التي يتم فيها الستر، وأصناف المستور عليهم، وإنزال تلك الضوابط على تلك المنكرات. وكشفت الدراسة الميدانية أن عدم معرفة حال مرتكب المنكر هاجس يؤرق المحتسب، ويحد من إقدامه على الستر لجهله بحال مرتكب المنكر، خصوصاً في المدن الكبرى كمدينة الرياض التي يقارب عدد سكانها ستة ملايين نسمة، مبينة أن السَّتر عام للجميع من دون استثناء ما لم يتعارض مع المقاصد الشرعية في تطبيقه. وأوضح التركي أن من أهم ما دعاه إلى دراسة هذا الموضوع، الحاجة إلى المزيد من الإلمام بتطبيقات الستر في المجتمع السعودي من المحتسبين، وكذلك أن السَّتر دافع كبير لتوبة العبد، والتوبة بأنواعها من أهم الأهداف والغايات التي شرعت من أجلها الحسبة وكذلك الحاجة إلى تقويم إجراءات السَّتر على المحتسب عليهم. وتطرق الباحث في رسالته من خلال الجانب النظري إلى بيان مفهوم السَّتر ومشروعيته وثمراته على الفرد والأسر والمجتمع بأسره، وكذلك بيان مسؤولية المحتسب في الستر على المحتسب عليهم وأصناف المستور عليهم، والمنكرات التي يتم فيها الستر وبيان ضوابط السَّتر الشرعية والنظامية، وذكر أهم صور الستر، ومنها حفظ سر المحتسب عليهم، وعدم التجسس عليهم وحسن الظن بهم، وعدم البحث عن ماضي فسق المحتسب عليهم، وأهمية أن يكون الاحتساب سراً بين المحتسب والمحتسب عليهم، وفي الجانب الميداني تتطرق الباحث لأهم معوقات السَّتر وسبل معالجة تلك المعوقات، وكيفية تفعيل الستر في المجتمع، وتقديم مقترحات علمية لنشر وتفعيل الستر على المحتسب عليهم. وتوصل الباحث في ختام رسالته إلى عدد من النتائج، منها أن القاعدة العامة في النصوص الشرعية هي الحث على السَّتر على أصحاب المعاصي والخطايا والتجاوز عن العورات والزلات، وأن القرآن الكريم تناول الستر في آيات عدة وحث عليه في مواطن متفرقة كما وردت أحاديث عدة في السنة المطهرة تبين فضله ورفعة منزلته وآثاره على الفرد والمجتمع، إضافة إلى أن الشارع الحكيم حرم إيذاء المؤمنين بهتك أعراضهم وإظهار معاصيهم للآخرين، وكشف عيوبهم وزلاتهم ونشرها وإذاعتها، وأنه ينبغي على المحتسب أن يكون فاهماً لأحوال الناس والوقائع المعاصرة والأحداث الجارية، سواء كانت عامة أم خاصة بمعرفة حقيقتها وأسبابها وآثارها ووسائل حماية المجتمع من أضرارها، وهل الأصلح إخبار ولي الفتاة (القاصرة والمتزوجة) أو الستر عليها ومعالجة خطئها، مشيراً إلى أن العلاقة بين المسلم وغير المسلم أساسها الحرص على هدايته إلى الإسلام وإدخاله فيه بالإقناع وحسن المعاملة، ومن هنا ينبغي أن تتنوع أساليب الاحتساب فالسَّتر على غير المسلم قد يكون من العوامل المهمة في دخوله للإسلام. وشدد على ضرورة نشر وتعزيز مفهوم الستر وبيان مقاصده لكل العاملين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أوصى الجهات ذات العلاقة بمزيد من الإيضاح لضوابط الستر وفق المنهج الشرعي والأنظمة المرعية، وتصنيف تلك الضوابط على المنكرات، خصوصاً في المنكرات التي دون الحد، وتفعيل قنوات التواصل بين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهات الحكومية الأخرى من أجل تفعيل ونشر الستر، وكذلك إنشاء وحدة إدارية في الرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمتابعة من تم الستر عليهم ومساعدتهم في عدم العودة لارتكاب المنكرات، كما طالب الباحث الجهات ذات العلاقة بأهمية إنشاء مكاتب في مراكز الشرط وسجون النساء ودور الفتيات والأحداث تكون لها العديد من المهام التوجيهية، ومن ضمنها تحديد من يستحق الستر ومن لا يستحقه وفق الضوابط التي تحدد لهم. يذكر أن عبدالمحسن بن سليمان التركي هو المشرف على مناديب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإصلاحيات، ونال درجة الماجستير بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى من كلية الدعوة والإعلام قسم الدعوة والاحتساب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعد مناقشته لرسالة الماجستير من الأستاذ الدكتور في قسم الدعوة والاحتساب عبدالله بن إبراهيم اللحيدان، والأستاذ المشارك بقسم الدعوة والاحتساب الدكتور علي بن أحمد الأحمد، والأستاذ المشارك بقسم الدعوة والاحتساب الدكتور سليمان بن عبدالله الحبس.