يرتفع صوتي مستنجداً، وراغباً في سماع تجارب كل من استطاع امتلاك بيت، امنحونا خريطة طريق تساعدنا في الخروج من ضرر نفسي ومالي ناتج عن مصيدة استئجار منزل، خذوا بأيدينا، لعلنا نترك لأطفالنا منازل تجنبهم ذلاً عشناهُ سنوات عمر مكتظ بالقلق والانكسار. يسيطر وجوم طويل على لساني وتفكيري، خشية أن يمر عام 2013 كسابقيه من دون قدرة على امتلاك منزل، باختصار شديد استمرار أطول في حيازة الصفة الأكثر شيوعاً لدى السعوديين، فأنا بصدق عاجز عن امتلاك منزل، على رغم انتمائي لفئة الدخل المتوسط. حاولت عشرات المرات تحقيق ذلك، النتيجة دوماً مخيبة، وتحتاج لرهن كل مستقبلي المهني والعائلي، كذلك تجميد أحلامي وطموحاتي من أجل الوفاء بقرض لبنك سيستعبدني أعواماً مديدة، نحن هنا نتحدث عن عشرات الأعوام يذهب خلالها جزء كبير من الدخل الشهري، واتخاذ قرار بهذا الحجم يحتاج شجاعة لا أمتلكها. تسهم كلفة مواد البناء، وفواتير شركات المقاولات في استحالة البدء في بناء منزل، وقبل ذلك امتلاك أرض أصبح المستحيل بذاته، فرقم بحجم مليون ريال يوشك أن يكون غير قادر على شراء أرض بيضاء في منطقة سكنية، ويستوجب دفع خمسة آلاف ريال شهرياً على امتداد 16عاماً توالياً، وهو رقم يعادل راتب كامل لذوي الدخل المتوسط، لشراء أرض فقط. يمنحني بعض العزاء يقيني أن الواقفين بجواري عند إشارة حمراء يشبهونني في كونهم يسكنون منازل مستأجرة، ويزيدني حزناً مشاهدتي لبرنامج عن حيوانات غابة أفريقية، لأن المذيع يتحدث عن طائر ويقول «يعود إلى عشه»، أو عن جرذ «يخرج من جحره». تتضح مشكلة حيازة سكن في كبريات المدن ومتوسطها، وتخبو في القرى، ففي القرية تصبح الأرض متاحة وراثةً، أو لانخفاض قيمتها، فيما أنا منقسم بين رغبة العودة لقريتي من أجل بناء منزل، وبين وظيفتي في مدينة لا منزل أمتلكه بها. يزداد إيماني بأن كل من امتلك منزلاً مر بتجربة مريرة، تشبه تجربة الباحثين عن جنسية بلد آخر، فالمنزل وطن الأسرة، فكل أسرة ليس لديها منزل لا وطن لها ولا مجتمع، لا امتداد للجذور، مجرد حياة قصيرة لذكريات ضبابية في بيئة موقتة، لدرجة أن جيرانك في الحي السكني لا يمنحونك قيمة وحقوق الجار، لأنهم لا يرغبون في مد جسور مع غريب يرحل بعد فترة، كما فعل غيره. تؤجل حيازة منزل بقية طموحات الفرد، تصبح الحياة من دون طعم، كزاد لا ملح فيه، نضع في جيوب ملاك العقار أكثر ما نضعه في بطون أطفالنا أو تعليمهم، ويفقد رب الأسرة الاهتمام بتدليل نفسه من راتبه، لا يكاد الموظف منا على الاستفراد بأكثر من عشرة في المئة من راتبه الشهري، معظمها يذهب لاستبدال الرث من ثيابه. يؤثر عدم امتلاك منزل سلبياً في أواصر العائلة، وتركيبات المجتمع، وكذلك أساليب تربية الأب لأولاده، واقتصاديات الأسرة، وانخفاض جودة التعليم، حتى على معدلات العنوسة، والانحراف الأخلاقي للأفراد، لأن رفع جودة كل ذلك يستلزم استقراراً مديداً للأسرة في محيط جغرافي محدد، ولزمن طويل. يفتح ذلك تكاثر الرشوة في بلادنا لدى موظفي القطاعين العام والخاص، تحديداً الآباء منهم، مع بقية صنوف الفساد المالي، لأنهم يقطنون بيئة موقتة، ولا يريدون لأطفالهم الشتات بعد وفاة الأب، قد لا تتفقون معي كثيراً في تبرير الرشوة في مقابل المنزل، لكنني أتمسك وأصمت. [email protected] jeddah9000@