«إذا رأيت سجيناً نائماً فلا توقظه فربما يحلم بالحرية»، هكذا ختم سجين بطاقة تعريفه على «تويتر»، مسبوقاً بأنه يقضي سنته العاشرة خلف القضبان، كاشفاً أسراراً - غير أمنية - من حياة أحد عنابر سجن يصعب تحديد موقعه من تغريداته، على رغم أن قوانين السجون تعتبر حيازة جهاز تلفون جريمة تستحق حجزاً انفرادياً لأيام عدة وربما أكثر. تحليل محتوى «يوميات سجين عام» يكشف وجود سوق سوداء في السجون، عالية التضخم ورابحة جداً، تدار من داخل القضبان وخارجها بأيدٍ تلتصق بأكتافها رتب عسكرية، فحتمية وصول سعر «موس الحلاقة» إلى 200 ريال، وكذلك 1500 ريال لشاحن جوال، و7000 ريال لجهاز «آي فون» أو أكثر، تمنح تبريراً قوياً لكسر قوانين مانعة، حتى لو كانت مكتوبة بحبر من فولاذ. يتوافق موعد نشر هذا المقال، الأربعاء، مع مرور 11 يوماً على بدء السجين لتغريداته و«عشرات الآلاف» من المتابعين لأنه «مراسل صحافي» بدمه، متوثب لكل التفاصيل، غير سوداوي، لا يتحدث عن سبب دخوله إلى السجن، ويكشف بالصورة والتعليق زوايا عدة من الحبس ويومياته عدا ملامح وجهه، وأعماق جرحه. يصعب التخلص من إيقاع القبيلة عربياً، فحتى الغرف المتراصفة والمتقابلة على ممر عنبر واحد في سجن تتحول إلى ممتلكات قبلية، فلكل قبيلة غرفة أو أكثر، يسكنها «مساجينها»، هناك حيث الخوف والخطر، يصبح دوماً دم القبيلة سائلاً من جمر، وثمة مبررات كثيرة لارتفاع الانتماء القبلي داخل السجن، لعل أبسطها ذائقة مشتركة للطعام، وجرس الكلام. يضع «سجين عام» بين يومياته خطوطاً درامية متنوعة ذات مسارات متوازية، فمن خلال مرور يومي على قصة جار له في مسجد السجن ينتظر تنفيذ حكم بالقصاص، إلى قصص متنوعة عن أصدقاء السجن، باتت «اليوميات» ذات امتداد مرشح لرواية، لأن التفاصيل عريضة ودقيقة، وصولاً إلى صورة «قفل حديد» يجمع بين فردتي «شبشب»، تاركاً تأكيداً بأن أولويات الإنسان في السجن تتصدرها «شبشب»، وسؤال كبير: «إذا كانت السرقة غير مُسَيَطر عليها داخل سجن، فهل تتم السيطرة خارجه؟»، يؤسس الاحتياج الحاد إلى حلول، بما فيها وصفات طبخ لوجبات بأوانٍ وأدوات شبه بدائية، وتزيين غرف السجن بأقمشة أو قصاصات من بطانيات لمكافحة برودة الحديد والجدران، وكذلك صناعة أقداح من «فرح» موقت حول «شاي نعناع» عصراً، أو «حش» مديري السجن بسبب تقديمهم «حافظات نقود» من الجلد الفاخر، كهدايا لمساجين لا يتجاوز راتبهم الشهري 150 ريالاً، وبحسب تعليقه «كمن يهدي أعمى كتاباً». تنتشر «الأجنبية» حتى داخل السجن، فالمنتمون إلى جاليات أجنبية من المحكوم عليهم، يسيطرون على «دكاكين» تنتمي إلى فئة بقالات قرى القرن الماضي، بينما بطاقات الشحن، الدخان، وبقية الممنوعات تكاد تهبط من السماء على أقوام لا نملك لهم إلا الدعاء بالهداية. [email protected] @jeddah9000