«مبروك، تم ترشيحك للعمل في مدينة «نشوى» الأميركية مدة 12 شهراً»... كانت هذه الكلمات التي سمعتها من رئيسي في العمل حين قررت «أرامكو» ابتعاثي للعمل في الولاياتالمتحدة الأميركية عام 2009 في مدينة تحمل اسم فتاة وفي ولاية نيو هامبشر، كانت أيضاً المرة الأولى التي أعبر فيها الأطلنطي نحو العالم الجديد، وإن كان تم اكتشافه منذ أكثر من 500 عام، فأميركا تمنحك الشعور وكأنك عبرت الأطلنطي لكوكب آخر. هناك قاموا بقطع صلاتهم بالعالم القديم وصنعوا عالمهم الخاص بهم، فكل شيء مختلف من الرياضة حتى العلاقات الاجتماعية، ومعظم من قابلتهم من الأميركيين لم يسبق لهم استخراج جواز سفر، ولا يتحدثون لغة ثانية، ولا يعرفون الكثير عن العالم الآخر... الاقتصاد الأميركي قائم على القوة الشرائية للأفراد، ما جعل أميركا تشجع ثقافة الاستهلاك في كل شيء. يعيش الأميركيون وهماً سموه «الحلم الأميركي»، تستطيع أن تمتلك كل شيء وأي شيء بالبطاقة الائتمانية التي تم اختراعها في أميركا، إذ تشتري بمال لا تملكه ما يخبرك التلفاز والصحف والإعلانات في الشارع أنك بحاجته، وتقع في فخ الفوائد المتراكمة للبطاقات الائتمانية مدى الحياة. تعمل صديقتي الأميركية (مسلمة)، الحاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة برادلي، كمستشار ضرائب في النهار وكنادلة في مطعم في المساء لتسديد ديون بطاقاتها الائتمانية. في «السوبر ماركت» يوجد ممر كامل محجوز للمناسبات الشهرية، كل شهر هناك مناسبة جديدة لتكون سبباً للمزيد من الديون للبطاقات الائتمانية، العلاقات الاجتماعية مع الوالدين والأقرباء موسمية أيضاً، فهناك عيد للأم وللأب وللحب وللقديس باتريك - وهو خاص بولايات إنكلترا الجديدة، وجاء مع هجرات الإيرلنديين - وعيد الاستقلال، وعيد الهالوين، وعيد الشكر، وعيد الميلاد ورأس السنة وغيرها، سيصيبك الصداع حين تحاول تذكرها وعدها وشراء بطاقات معايدة يذهب ريعها لشركة «هولمارك» التي في المعظم اخترعت معظم هذه الأعياد لتشارك في إفراغ جيوبك. إذا حدث وزرت أميركا سترى ما لن تراه في أي مكان في العالم، الأحجام «الفيلية» لشيئين: الطعام والبشر، كل شيء هنا يُباع بأحجام كبيرة، سلسلة المطاعم نفسها التي أرتادها حول العالم، في أميركا تقدم كميات الطعام مرتين أو ثلاث مرات أكثر، ما جعل الأميركيين الأكثر سمنة بين شعوب العالم، والحل طبعاً أن تخرج شركات لبيع منتجات التخسيس من معدات رياضية وأطعمة حمية. في أميركا حتى الرياضة مختلفة عن بقية العالم، فهي أرض البيسبول وكرة القدم الأميركية، كنت في متحف الشمع مع «مسلمة» وطلبت منها أخذ صورة لي مع تمثال لاعب كرة القدم البرازيلي «بيليه»، أصابتني الدهشة وهي تسألني: ومن هو «بيليه»؟ لا يوجد شيء اسمه قنوات فضائية مجانية، يجب أن تدفع لتشاهد التلفاز، من المعتاد أن ترى خبراً كفضيحة لاعب الجولف تايغر وود مع عشيقاته يغطي على بقية الأخبار، أخبار المشاهير وعلاقاتهم تجذب عدد المشاهدات الأكبر، وليس أخبار أعظم أزمة اقتصادية مرت بها أميركا، حين كنت أعمل هناك في 2009، إذ فقد الناس وظائفهم ومدخراتهم وبيوتهم. عشت في أميركا عاماً كاملاً، أحببت فيها أشياءً، كحرية التعبير والاختيار ونبذ العنصرية والالتزام بالنظام والقراءة في الأماكن العامة والتعايش مع الآخر، تكافؤ الفرص في العمل، بحسب مؤهلاتك، أحببت الفنون الجميلة كالبالية والمسرح والموسيقى، لكن كرهت البرود الاجتماعي والعلاقات القائمة على المصالح والثقافة الاستهلاكية المقيتة... أميركا جميلة وقبيحة في آن معاً، جميلة إذا زرتها كسائح، أو لفترة موقتة، وقبيحة إذا أردت الانتقال للعيش فيها، لذلك لو خُيرت... لن أعيش في أميركا! [email protected] manal_alsharif@