أطاحت عاصفة أطلق عليها الأردنيون اسم «وظحة» خلال اليومين الماضيين بالحملات الدعائية لمئات المرشحين للانتخابات النيابية المقررة في 23 الشهر الجاري، ما ألحق خسائر فادحة ومبكرة بهؤلاء تجاوزت بحسب خبراء الشأن الانتخابي مئات آلاف الدنانير. وخيمت العاصفة، التي حملت اسم «وظحة» ربما تماشياً مع التسميات الأميركية للأعاصير بأسماء نسائية، على جميع مدن المملكة ال12. وعادة ما يستخدم اسم العاصفة التي يعيشها الأردنيون اليوم لتسمية الإناث في المناطق والقرى الفقيرة، وخصوصاً ذات التركيبة العشائرية. وتسببت توقعات خبراء الطقس الأردنيين من أمثال المتنبئ الشهير محمد الشاكر خلال الساعات الماضية بخيبة أمل كبيرة لمرشحي البرلمان، لا سيما مع تأكيدهم بأن العاصفة التي تسيطر على المملكة حالياً «مرشحة للاستمرار خلال الأيام المقبلة وبشكل أعنف»، وهو ما شكل فاجعة بل وكارثة مالية وترويجية لنحو 1500 مرشح يتنافسون على 150 مقعداً نيابياً، هي مجموع مقاعد البرلمان المقبل. وكانت العاصفة تسببت في ساعاتها الأولى بتحطيم مئات المقار الانتخابية، وتمزيق آلاف الصور الضخمة الخاصة بالمرشحين، والتي علقت في الشوارع والساحات العامة قبل أن تتساقط على الأرض وتدوسها أقدام الناخبين. وفي قلب العاصمة الأردنية أدت اللافتات والمجسمات الانتخابية المنهارة إلى عشرات حوادث السير، بعد أن اقتلعتها العاصفة من جذورها. وسارعت أجهزة الحكومة التنفيذية إلى إزالة هذه الأنواع من الدعاية، مستعينة بحافلات نقل القمامة. ولم يخف مسؤولون أردنيون تحدثت إليهم «الحياة» خشيتهم من أن تعيش البلاد حالاً مماثلة خلال اليوم المحدد للاقتراع، وهو ما يعني حكماً فشل العملية الانتخابية وانحسار أعداد المشاركين فيها. لكن العاصفة المذكورة كشفت ولأول مرة روح الدعابة المفاجئة لدى الأردنيين المعروفين بشخصياتهم الجادة و «كشرتهم» العريضة. ففي غضون دقائق، غصت مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف التعليقات الساخرة لشبان وفتيات تضمن بعضها تصريحات فكاهية نسبت إلى الناطق باسم الحكومة الوزير سميح المعايطة، وأشارت إلى أن الدولة «لن تسمح لمؤامرة الإعصار بنسخته الأردنية عبور البلاد لتخريب الأجندة الانتخابية». وعلق أحدهم بأن «الطبيعة غضبت من منسوب الكذب الذي تضمنته لافتات المرشحين وصورهم». وقال آخر: «يبدو أن إعصار وظحة معارض بشدة للانتخابات». وأضاف قاسم حتو: «إعصار وظحة غضب رباني على المرشحين للنيابة». وكتب محمد وليد: «الإعصار يركز على اليافطات والصور الانتخابية، وللأمانة لم يقصر». ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث أطلق مئات المدونين العنان لأنفسهم نشر تحذيرات كاذبة عن وصول أسماك القرش والتماسيح المتوحشة وطيور البطريق المهاجرة إلى وسط عمان، مستعينين على ذلك بنشر صور مركبة بواسطة برامج «الفوتوشوب» تظهر هذه الحيوانات وهي تسيطر على شوارع العاصمة، بعد أن أحال هطول المطر الغزير الطرقات الرئيسية إلى برك مياه جراء عدم قدرة المجاري على تصريفها. وقال المدون الساخر محمد أبو الرب إن «الحكومة تتجه لافتتاح حدائق مائية عائمة وسط عمان بمساندة» أحد رجال الأعمال اللبنانيين الذي تدير عائلته مشاريع وعطاءات كبيرة في العاصمة الأردنية. فيما تحدث المدون باسم النتشة عن عروض مفترضة وساخرة تقدمها شركات سياحة محلية جاء في أحدها: «تعلن شركة دالاس للسياحة انطلاق رحلات شتاء عمان، شاملة جولة بالقارب الزجاجي بشارعي الجاردنز والمدينة المنورة للتعرف إلى معالم العاصمة، ثم الغوص تحت دوار الواحة للاستمتاع بالمعالم المائية، التجمع أمام ميناء العبدلي!». وفي رده على تعليقات الأردنيين الساخرة، قال المحلل السياسي والناشط الاجتماعي ماهر أبو طير ل «الحياة»: «يبدو أن الشخصية الأردنية الجادة تخلت عن هذه الصفة مرحلياً، نتيجة الشعور بالإحباط والكبت الذي يسيطر عليها. لأول مرة نلحظ أشكالاً جديدة من السخرية لم تكن مألوفة على مجتمعنا الأردني من قبل». وبحسب أبو طير فإن «تحليل مضمون التعليقات المذكورة يؤكد شعور الأردنيين بانعدام قدرتهم على التغيير نحو الأفضل وبقاء الحال كما هو، خصوصاً بعد إعلان العديد من القوى الشابة مقاطعتها للانتخابات».