تحتل الأغاني حيزاً واسعاً من زمن البث في الفضائيات الكردية، فالموسيقى الكردية غنية وعريقة، ولم يثبت الكُرد جدارتهم في شيء مثلما أثبتوها في مجال الأغنية والموسيقى، ففي كل بيت كردي توجد آلة البزق (الطنبور) التي ترمز إلى ذلك التاريخ الموسيقي الحافل، بل إن غُلاة الكرد يتهمون الأتراك والفرس والعرب بأنهم لطالما سرقوا موسيقاهم ونسبوها لأنفسهم. وبمعزل عن هذا الجدال، فإن الفقرات الغنائية في الفضائيات الكردية تكاد تكون الأكثر قرباً إلى روح المشاهد الكردي قياساً إلى البرامج ونشرات الأخبار والتقارير والتحليلات السياسية التي تعاني من عيوب وثغرات كثيرة. ومثلما أن الفضائيات الكردية تتلقف الأغاني، فإن الفنانين بدورهم يطورون أداءهم، ولعل ذلك يتجلى في الأسلوب الغنائي المعروف بال «دويتو»، إذ انتشرت أخيراً مجموعة من هذه الثنائيات الكردية المشغولة بعناية بالغة من ناحية الصورة «فيديو كليب»، ومن ناحية الأداء والكلمات والموسيقى. ثمة أمثلة كثيرة يمكن إدراجها هنا، مثل الدويتو الذي يجمع بين شَيْدا ودِيلْبَر، وبين بِلِند ابراهيم وملك روجهات، وبين خليل غمكين وفاتيه، وصولا الى الدويتو الذي يجمع بين نظام الدين آريج ومزكين طاهر والتي تتغنى بالثورة السورية... وسواها من الثنائيات التي تستعيد الى الأذهان دويتو كردي قديم جمع بين شفان وكليستان في الأغنية الفلكلورية المعروفة «بائع السلال». ما يميز هذه الثنائيات الكردية الجديدة هي كلماتها التي تحفر عميقاً في الوجدان، فهي لا تقتصر على قصص الحب والغرام، بل تذهب إلى أبعد من ذلك لتتحدث عن الأوطان والمنافي، وعن مشاعر الفقد والحنين...عن الآلام والآمال والأحلام والخيبات الكثيرة التي سطرت التاريخ الكردي. وكثيراً ما يمتزج جمال الحبيبة بجمال كردستان وجغرافيتها الجميلة، فالأنهار تغدو ضفائر العاشقة، والجبال الشامخة ترمز الى قوامها الممشوق، ونداوة الربيع في سهول كردستان سرعان ما تتحول الى لوحة تظهر فتنة المرأة في «أوج زينتها». ولم تتوقف الثنائيات الغنائية الكردية التي تطالعنا عبر الفضائيات عند حدود كردستان، بل إن الفنانين الكرد سعوا إلى الغناء مع أقران لهم من فناني الشعوب المجاورة، كذلك الدويتو الذي جمع بين الفنان المصري علي الحجار والفنانة الكردية ليلى فريقي، أو الدويتو الذي جمع بين الفنان الكردي ديار والفنانة اليونانية صوفيا بابا اوغلو وفيه نسمع صوتين عذبين ينشدان الحرية والسلام، ويرثيان «الزهور التي تحترق في أشهر الفرح، والأطفال الذين يقتلون، فتتوقف الحياة!» كما تقول كلمات هذا الدويتو. ولعل ما قاله رولان بارت من أن «الموسيقى تجعلنا تعساء بشكل أفضل»، ينطبق على الثنائيات الكردية الجديدة التي تستعيد التراجيديا الدامية للكرد عبر نغمات شجية تحطم القلوب وتفرحها في آن. والفضائيات ليست غافلة عن تأثيراتها، فتكرر عرض تلك الثنائيات الغنائية بلا تذمر، وهي تعلم، قبل مشاهديها، أن أغنية واحدة تعادل مئات البرامج الهابطة.