منذ انطلاقة التظاهرات في سورية، لبّى الفنان الكردي الشهير، شفان برور، نداء صديقه الفنان سميح شقير في أغنيته المهداة إلى ثورة الشعب السوري بعنوان «السلام والحرية» بثلاث لغات هي الكردية والعربية والإنكليزية، بعدما طالبه شقير: «غنِّ يا شفان غنِّ»، فردّ عليه: «أحييك سميح شقير، وأغنّي اليوم لشعب توّاق للحرية والسلام». وفي مقطع بُثّ على «يوتيوب»، أرسلت مجموعة من الفنانين الأكراد المعروفين رسائل الديموقراطية والسلام إلى الشعب السوري، ويظهر في الفيديو شفان برور، مع نظام الدين أريج وجوان حاجو ومزكين طاهر وهاني وخوشناف تلو. «آزادي»، وتعني الحرية، هي عنوان أغنية المطرب القدير برادر، دعماً للثورة السورية، يستذكر فيها مأساة «سينما شهرزاد» في عامودا. فبعد تعرض المدينة لقصف قوات الاحتلال الفرنسي عام 1937، حُرقت السينما في تشرين الثاني (نوفمبر) 1960، وراح ضحية الحريق نحو 285 طفلاً كانوا يشاهدون الفيلم المصري «شبح منتصف الليل» الذي تقرّر ريعه لدعم الثورة الجزائرية حينذاك. ويدعو برادر في أغنيته إلى وحدة العرب والأكراد، لبناء حياة جديدة أساسها الحرية. وتصبو أغنية الفنان ريبر وحيد، «الشهيد»، إلى السلام: «سلامي عليكم سلامي... صلاتي للشهيد وسلامي». وريبر من الفنانين الأكراد القلائل الذين يغنّون بالعربية، في حين ينادي أكراد سورية بحقوقهم المصيرية والقومية والثقافية، في اللغة والانتخاب وحتى فرص العمل، في ظل معارضة الكثيرين من أصحاب القرار العرب. وقبل الثورة في سورية، كانت النسبة الأكبر من الفنانين الأكراد تغنّي الحب والغزل، لكنهم الآن يشعرون بضرورة تقديم شيء لوطنهم الذي تقيم غالبيتهم خارجه. فجاءت الكلمات والألحان من واقع الحال في سورية، ومن أسماء الشخصيات والشهداء ومن بيئة كل فنان، لا سيما في القامشلي، في دعوة إلى وحدة الصف العربي - الكردي في مواجهة النظام السوري. وإذا كان هناك انقسام سياسي كردي حول الحلّ للقضية الكردية في سورية، قبل حكم آل الأسد وبعده، إلا أن هذه الأغاني لم تتقيد بنهج الأحزاب في المناطق الكردية. واستشهد مغنّون أكراد، في الفيديو كليب الخاص بأغانيهم، بمقاطع من تظاهرات وأعمال قتل في الشوارع والأزقة، مع التركيز على الأطفال والنساء. فالفنان حكمت جميل، المعروف ب «بنكين»، يغني في القامشلي آهات حنينه في غربته، وهو المنفي قسراً بعد أغنيته المعروفة «الحزام العربي». ويستعرض صور الشيخ المغتال معشوق الخزنوي: «حتى لو أحاطوكِ بالسكاكين، سأحضنك... تجرين في دمي، فما الذي يمكنني فعله؟... قامشلو آخ قامشلو». أما «قصة وطن وشوية ضمير»، فهي الأغنية الأولى بالعربية للموسيقي صلاح عمو، المهداة إلى صديقه الشهيد، السينمائي باسل شحادة، وصوّرها بهاتف خليوي في كنيسة. وعلى ألحان بزقه الجميل، اختزل عمو آلامه لفقدان صديقه: «الوطن كرامة يا جماعة... شو رح نقول لباسل ولغياث ولمشعل ولحمزة»، في إشارة إلى الشهداء مشعل تمو وغياث مطر والطفل حمزة الخطيب. ولعل اللافت في هذه الأغاني، اعتمادها اللغات الكردية والعربية والإنكليزية، في مسعى إلى بلوغ أكبر عدد ممكن من الجمهور. وها هي الفنانة زويا، ابنة «رأس العين» (مدينة كردية تابعة لمحافظة الحسكة)، تلتحق بزملائها وتنتج أغنية بعنوان «الثورة السورية»، تستعين فيها بموسيقى تبثّ على قنوات فضائية، مثل «العربية»، فتغني لحمص وحماة ودرعا والحسكة ولكل سورية، معتمدةً نبرة الإصرار الممزوج بالألم: «كرد وسريان وآشور... الإيزيدية سنة وشيعية... وحدتنا سورية... عاشت سورية الأبية». أما هجار شيخو، وهو فنان جديد على الساحة الغنائية الكردية مقيم في كردستان العراق، فتميز في أغنيته «أنا الشعب» ببحة صوته الناعمة وبحسٍّ فني راقٍ، أعطى بعداً رومانسياً للثورة. ولا تغيب أسماء أخرى لفنانين كرد، غالبيتهم من الشباب، غنّوا للثورة السورية بالكردية والعربية، مثل فؤاد حسين في أغنية «الحياة»، ودلو دوغان في أغنية حزينة لذكرى مشعل تمو. إضافة إلى شريف أومري الذي ينتهج أسلوب «الراب» في أغنياته قبل الثورة وبعدها، وخصّص أغنيته الأخيرة للمعتقلين في بداية الاحتجاجات السورية. فضلاً عن فرق موسيقية كردية من كردستان العراق. واستفاد هؤلاء الفنانون من الشعارات التي رفعت وترفع في التظاهرات المناوئة للنظام، فضمّنوها أغانيهم، من دون أن ينسوا بطولات قادة أكراد أدوا أدواراً كبرى في التاريخ السوري والعربي عموماً، أمثال الفاتح صلاح الدين الأيوبي وإبراهيم هنانو، مع سرد تاريخ المناطق الكردية في ظل النظام السوري (القامشلي، عامودا، رأس العين، عفرين، كوباني...)، إلى جانب معاناة هذا الشعب طوال أربعين سنة.