يطل عام 2013 مثقلاً بالكثير من الهموم على غير صعيد وفي مختلف الاتجاهات، خصوصاً بعد تزايد حركة الاستيراد والتصدير للحروب والأزمات والحقبات المصيرية ما بين مختلف الدول العربية. وسنتوقف عند بعض العناوين البارزة التي يتم ترحيلها من العام الذي سبق استكمالاً للفصول الدرامية التي تعايشنا معها حيث لم يكن هناك بديل، الأمر الذي أقعد المواطن العربي وسحقه بكم هائل من الضغوط وتحت العنوان العريض: إنها فترة التحولات الكبرى مهما اختلفت التسميات ك «الربيع العربي» وما شابه. وحصراً للموضوع في هذه المساحة المحدودة سنكتفي بالتوقف عند بعض مناطق التوتر والتفجر وهي: لبنان وسورية ومصر وفلسطين من دون أن ننسى العراق. على الصعيد اللبناني: يتزايد الوضع حرجاً على صعد مختلفة منها السياسي والاجتماعي والأمني. في السياسة لم يكن الوضع الداخلي مشرذماً كما هي الحال هذه الأيام وسط إصرار الحكومة على المضي في الحكم ورفض الاستقالة، مقابل إصرار المعارضة على أن لا كلام قبل سقوط الحكومة. وبصرف النظر عن الكثير من المتاهات والمطبات التي تعصف بالوضع اللبناني والتداعيات المتوقعة لهذه التطورات، يعيش اللبنانيون رهينة مجموعة عوامل من أبرزها انقطاع الحوار بين «الأطراف المتنازعة» وسعي الرئيس ميشال سليمان بكل قواه لإقناع الأطراف بالتجاوب مع دعواته المتكررة لاستئناف الحوار لكن، لا حياة بل ولا حياء لمن تنادي. الآن الوطن ما زال مشرع الأبواب مع بعض دول الجوار، ولأن الآلاف من الهاربين من «الجحيم السوري» إضافة إلى آلاف أخرى من اللاجئين الفلسطينيين إضافة إلى تطورات أخرى كنتاج للأزمة السورية، كالعادة ينقسم اللبنانيون بين بعضهم بعضاً حول طريقة التعاطي مع هؤلاء النازحين بين فريق يطالب بالاهتمام بالوافدين عبر الحدود الشرعية منه وغير الشرعية، واستضافتهم، وفريق آخر يرى أن طاقات لبنان محدودة جداً وغير قادرة على استيعاب «جيوش اللاجئين» مذكراً بموضوع اللاجئين الفلسطينيين (من 1948) وسط المخاوف من طول الأزمة في سورية، الأمر الذي يعني معايشة اللبناني هذه الأزمة لوقت طويل غير محدد، وهذا الأمر يسقط كل الفترات الزمنية التي راهن كثيرون فيها على قرب سقوط النظام في سورية، وليست المنازلة السجالية الحادة القائمة بين سفير سورية في لبنان علي عبدالكريم علي، ووزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، حول كيفية التعاطي مع اللاجئين العابرين الحدود إلا رافداً من روافد أزمة العلاقات اللبنانية - السورية، بخاصة هذه الأيام. وفي جانب آخر غرق لبنان في جلبة و ضوضاء وفي أزمة لا أول لها ولا آخر ونعني موضوع الانتخابات المقبلة المقررة مبدئياً في حزيران (يونيو) المقبل، ويدور حول الموضوع جدال بيزنطي عقيم يخفي وراءه الكثير من الجدليات التي يرزح تحتها الواقع اللبناني. وفي شأن المعارك «الشرسة» حول مصير حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، يقول بعض العارفين بهذا الشأن: مع الأخذ في الاعتبار المعطيات التي يطرحها «تيار المستقبل» وتجمع 14 آذار حول ضرورة استقالة الحكومة، فهناك إضافة إلى القول: «السن بالسن والعين بالعين» وإضافة: الانقلاب بالانقلاب. ولهذا الطرح علاقة مباشرة بالطريقة التي تمت فيها ظروف استقالة الحكومة الحريرية السابقة، وما أطلق على تلك العملية بالانقلاب الدستوري. إذاً، وضع لبنان مع مطلع العام شديد الارتباك والحرج على غير صعيد فهو يحمل همومه المتوارثة من «جيل وزاري» إلى جيل وزاري آخر، إضافة إلى شؤون الثورة في سورية وشجونها، والرهانات المتداولة حول مصير النظام والتفاصيل الأخرى. في الشأن السوري: لقد وصل الوسيط الأخضر الإبراهيمي إلى النتيجة الآتية: «إما الحل السياسي أو الجحيم والصوملة»! أما محامي الدفاع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف فيصرّ على القول إن الرئيس بشار الأسد لن يتخلى عن السلطة، محاولاً إقناع بعض فصائل المعارضة السورية بالانخراط في الحل السياسي المتداول وهو يقضي في خطوط رئيسة ما يأتي: تأليف حكومة جامعة مختلف ألوان الطيف السوري، تتمتع بصلاحيات واسعة تعمل على التحضير لإجراء انتخابات نيابية جديدة، وصولاً إلى الانتخابات المتعلقة برئيس الجمهورية والمقررة مبدئياً في العام المقبل 2014، ومن سيحصل على أكثرية الأصوات فسيكون الرئيس المقبل لسورية حيث إن العقبة الكأداء أمام هذا الحل أو غيره يكمن بالسؤال عن مصير بشار الأسد. فالجانب الروسي يصر على أن الحل النهائي ويجب أن يتم بوجود الأسد، في حين أن فصائل المعارضة أو بعضها على الأقل تضع غياب أو تغييب رأس النظام بشار الأسد في المرتبة الأولى من حيث الأهمية. على أن كل عمليات التحليل لمجريات الأزمة في سورية لا تفضي إلا إلى مزيد من الدماء والخراب والدمار. ويقدر الإحصاء الصادر عن الأممالمتحدة أن ما يزيد على 60 ألف قتيل سوري سقطوا منذ آذار (مارس) من 2011، وعدّاد الموت لا يتوقف عن الدوران ليل نهار وصيف شتاء. ويبقى الوضع العام مفتوحاً على الكثير من الاحتمالات ليس أقلها حرب الاستنزاف التي اتخذت في الآونة الأخيرة الطابع المذهبي والطائفي وحتى الإتني، وليس آخرها انزلاق الوضع السوري برمته نحو تقسيم سورية، وما أدراكم ما هي تبعة بلوغ الوضع السوري مرحلة التفتيت والتقسيم والذي لن يقتصر على سورية فحسب، حيث لن تكون تركيا بمنأى عن أخطار مماثلة في مواجهاتها الدائرة مع الأكراد. ونصل إلى «الوضع المصري» حيث يتابع الرئيس محمد مرسي صراعه الدون كيشوتي مع الكثير من فئات المجتمع السياسي والديني، وهو الذي استعجل كثيراً في خوض معركة حصر السلطات لكل السلطات تقريباً به شخصياً. فما نشهده وما نشاهده على الساحات المصرية ليس مصر التي عرفناها منذ ثورة 23 يوليو 1952، ولا ما كان مؤملاً في ثورة 25 يناير من العام الفائت، وما لم يمارس الرئيس محمد مرسي بعضاً من الديموقراطية في تعاطيه مع الشأن العام فإن مصر ذاهبة إلى «جحيم آخر» ولو أنه سيكون مختلفاً بعض الشي عن «الجحيم السوري». ولا يمكن إنهاء هذه الجولة الخاطفة في شؤون العالم العربي وشجونه من دون التعرض للوضع في العراق. فقد سجل المرصد العراقي في الأيام والأسابيع الأخيرة الكثير من الأزمات التي تقرب «عراق المالكي» من حافة التقسيم على أكثر من جهة سواء لجهة التعامل مع الأكراد وتمتعهم بالاستقلال الذاتي في كردستان العراق، أو في المواجهات المشتعلة بين «العامل الشيعي» و «العامل السنّي»! وفي آخر نداء لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حذر من المضي في الاقتتال الطائفي وضرورة التنبه ل «أهداف خارجية وحسابات فئوية ضيقة» ومن المفارقات اللافتة على المسرح العراقي أن أعلن السيد مقتدى الصدر عن تأييده احتجاجات السنّة على المالكي، ومثل هذا الموقف ينذر بتداعيات أكثر خطورة مما حدث حتى الآن. وبعد... ما سبق ليس قراءة في فنجان ولا ضرباً في الرمال أو في المندل بل هو محاولة متواضعة لاستشعار ما هو متوقع في الآتي من الأيام والشهور بل والسنين. في «الحال اللبنانية»: الأخطار التي تحيط بالأجواء أخطر بكثير مما يعتقده البعض، وأكثر مما هو طاف على سطح الأحداث، لذا يجب التنبه كثيراً للمستقبل القريب الآتي وعلى العقلاء أو من تبقي منهم إلا يجعلوا من أزمة استقالة حكومة والإتيان بغيرها قضية مصيرية، لأن تعطيل كل الحلول المتداولة ومنها عدم التجاوب مع دعوة بل دعوات رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لاستئناف الحوار، وإلا ما البديل؟ وفي «الحال السورية»: إن سورية كما عرفناها منذ السبعينات، لن تعود مطلقاً، أما «سورية الجديدة الناشئة» من رحم الحرب المدمرة فغير واضحة المعالم حتى الآن، ولكن إن حدثت معجزة وانتهت الثورة غداً! فإن عودة أو إعادة سورية إلى خريطة المنطقة هو أمر غاية في التعقيد وعلى الفصائل المعارضة كافة أن تدرك أن الكبار لن يقفوا إلى جانبها كرمى لعيونها، بل سيقفون انتصاراً لمصالح تعرفها ولا شك، وعندما تمعن سورية في المضي في الصراع الذي يتخذ طابع الحرب المذهبية والطائفية... فهذا النوع من المصير لا يبقي ولا يذر. أما في «الحال المصرية»: فإننا نهتف و»إخواناه»!... يا «إخوان» مصر أنقذوا مصر وأنقذوا أنفسكم معاً لأن ما يجري حالياً في الساحات وفي الميادين ليس من شيم هبة النيل ولا «ست الدنيا»! وهناك سؤال أخير: ماذا عن باراك أوباما الثاني بعد تجديد ولايته؟ والإجابة سؤال آخر: لماذا طرح هذا الموضوع من خارج جدول أعمال المقال؟ الجواب: لأن أميركا كالشر الذي لا بد من التعاطي معه في الحالات كافة من حيث معاداتها ذلك العبء الكبير ولأن في صداقتها ذلك العبء الأكبر. * إعلامي لبناني