يصح في وصف المندوب العربي - الدولي الأخضر الابراهيمي بأنه «ابن بطوطة» العصر نظراً الى كثرة اسفاره وجولاته بحثاً عن ايجاد بيئة دولية حاضنة لأي حل يمكن التوصل آلية في شأن الأزمة في سورية. وكانت آخر محطات جولتة الصين حيث يصح فيه القول: «اطلبوا الحل في سورية حتى ولو في الصين». وهو حض المسؤولين الصينيين على لعب دور بارز، بل اكثر بروزاً في السعي للعثور على السلام الصعب، ان لم يكن المستحيل في سورية في ظل المكونات والعوامل الاقليمية والدولية القابضة على الحل الذي يمكن أن يأتي، وربما لن يأتي ابداً في مستقبل منظور ليتحول الواقع الى مسلسل سوري طويل. واستناداً الى كل المعطيات المتوافرة حتى كتابة هذه السطور على الأقل لم يعد من الذكاء السياسي التحليلي القول إن ازمة حل ازمة سورية لم يعد متاحاً بالسرعة التي راهن كثيرون عليها بسقوط او بإسقاط رأس النظام السوري. وأكد المسؤولون الروس مع الصينيين مرة جديده لكل من يتصل بهم سعياً لأي حل يوقف النزيف والدمار ان كل الحلول يجب ان تمر عبر بشار الأسد، وان العبور الى وضع جديد في سورية لنقل الازمة من الجانب العسكري الى الجانب السياسي. يجب ان يتم بمعرفة ومشاركة الأسد شخصياً فيما المعارضة بل المعارضات السورية ترفض حتى الآن التسليم بهذا الواقع وهي تصرعلى استبعاد بشار الاسد قبل الانخراط في الجولات الحوارية التي يمكن ان تؤدي الى اي حل او اي شبه حل. ورغم انسداد كل الآفاق المتعلقة بأي حل، فإن الأخضر الابراهيمي لم يستسلم للفشل حتى الآن، ويبدو انه يريد ان ينهي حياته بانجاز ولو تمكن من فتح كوة صغيرة في جدار الأزمة. وانقضت اجازة عيد الاضحى من دون الالتزام من قبل الاطراف المتنازعة على اختلافها بما اتفق على تسميتها ب «هدنة الأضحى». ولم يكن ذلك مفاجئاً لمن يعرف تعقيدات الازمة السورية. ومع تواصل الازمة تبرز بعض التداعيات التي تضيف الى الدراما السورية الحقيقية والفعلية المزيد من التعقيد. فعلى سبيل المثال لا الحصر لوحظ في الايام القليلة الماضية وجود بعض «التحولات والتبدلات» في مواقف دول كبرى متدخلة ومتداخلة في لعبة الحل ومن ابرزها الولاياتالمتحدة الغارقة حتى اذنيها في الانتخابات الرئاسية بعد ايام قليلة، والصورة الى الحياة بعد اعصار «ساندي» المدمر برز موقف جديد تجلى في تصريحات للوزيرة هيلاري كلنتون والتي حملت جديداً لا يساهم في الحلول المتداولة، بل يزيد في مخاطر مطبات الازمة السورية حيث طعنت بتمثيل «المجلس الوطني السوري» ودعت الى «ضرورة توحيد صفوف المعارضة مع الاعراب عن القلق الأميركي العميق من تزايد تأثير المتطرفين وحرف الثورة عن مسارها». ومثل هذه المواقف من شأنها ان تطيل أمد ازمة حل الازمة السورية، كذلك هي تنطوي على تبرير فشل الطروحات والتوجهات الأميركية منذ اندلاع شرارة الأحداث في سورية حتى الآن، في ما يطلق بعض المراقبين على المواقف الاميركية المتراجعة بعد الاندفاعات المعلومة ب «التخاذل الأميركي خاصة والغرب الاوروبي بشكل عام»، واستطراداً بقية الدول التي سعت بشتى الوسائل لإقتلاع «جذور حكم بشار الأسد، وهذه هي العقدة الاساسية التي تحكم وتتحكم بالأزمة وفي مفاصل الوضع البركاني المتفجر في سورية والمنطقة. وهنا تبرز المخاطر الجديدة التي انعكست بوضوح على دول الجوار السوري، حيث تأكد بشكل قاطع ما تم التحذير منه مرات عديدة من حيث انتقال عدوى «الفيروس السوري» الى الدول المتاخمة للجغرافية السورية («الحياة» 20 تشرين الأول / اكتوبر 2012) والامثلة باتت واضحة مع «تناسل الثورة» في سورية الى دول الجوار وخير الامثلة على ذلك ما يشهده لبنان في هذه الازمة بالذات كتداعيات واضحة للمرجل السوري المتقد. فقد ذهبت قوى تجمع «14 آذار» الى توجيه الاتهام بشكل واضح وصريح بأن سورية هي التي اغتالت مدير فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء وسام الحسن، وما ترتب وسوف يترتب عليه توجيه مثل هذا الاتهام لجهة تأزيم الوضع اللبناني المأزوم في الأصل والامعان في تأجيج حالة الجاذب الحادة والقائمة بين مختلف «الفصائل اللبنانية». ذلك ان البيان الذي صدر عن «تجمع 14 آذار» كان عالي النبرة من حيث مقاطعة المعارضة لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي عكس سقفاً عالياً من التصعيد بلغ حد الاصرار على استقالة الحكومة قبل متابعة الحوار بين مختلف الافرقاء. وفي حقيقة الأمر وجد بعض المتابعين عن قرب للشأن اللبناني ان بيان المعارضة هو عبارة عن «بلاغ انقلابي» وكأنه جاء رداً على «الانقلاب الدستوري» الذي قامت به المعارضة في حينه بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. ويعمل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على احتواء الوضع المتفجر لأنه يدرك المخاطر التي ينطوي عليها خروج الحالة الامنية والسياسية العامة عن السيطره في هذا التوقيت بالذات. وفي خضم هذه التطورات شهد القصر الجمهوري في بعبدا صورة لم نشهدها من ذي قبل والتي تمثلت بظهور سفراء الدول الخمس الكبرى، ودول اخرى فاعلة ومؤثرة امام الاعلام بعدما اكد السفراء دعمهم الكامل لاستقرار لبنان في هذا الظرف العصيب بالذات، ومعارضة بلادهم لاستقالة الحكومة الميقاتية الآن، تحت ضغط المعارضة. واقترن هذا التحرك غير المسبوق بوصول مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط اليزابيت جونز الى بيروت حيث ابلغت الرئيس سليمان والرئيسين نبية بري ونجيب ميقاتي حرص الادارة الاميركية على بقاء الوضع الداخلي في لبنان متماسكاً بخاصة في الظروف البالغة الحرج التى تجتاز المنطقة. ومع ذلك لا تزال بعض المصادر المتابعة عن قرب لمسار التطورات تعرب عن خشيتها من حدوث المزيد من الاحداث التي تستهدف في جملة ما تستهدف تزايد حالة الارباك القائمة. وقد اختلف كل من الحكومة «الميقاتية» و «تيار المستقبل» مع سائر مكونات تجمع «14 آذار» حول الترجمه العملية لرسالة الدعم الاميركية والغربية بوجه الاجمال فيما اعتبرها الرئيس ميقاتي انها عملية دعم غير مباشر لاستمرار الحكومة في تحمل مسؤولياتها، وجدت المعارضة ان هذا التأييد للوضع اللبناني بشكل عام وليس للحكومة «الميقاتية» ستكشف الايام القليلة المقبلة مدى عمق الشرخ الداخلي اللبناني في ضوء اغتيال اللواء وسام الحسن، وتهديد عدد من الشخصيات المعارضة بالتعرض للاغتيال، لذا فان حراجة الظروف القائمة تحتم على كل الفصائل اللبنانية على اختلاف انتماءاتها تقدير الاوضاع الحرجة والارتقاء في تحمل المسؤولية الى اعلى درجات الحذر والحيطة حتى لا نكمل عمليات تصدير الازمة السورية من الجانب السوري، وعمليات استيرادها من قبل بعض الجهات والاطراف ولذا يكتمل حزام النار في تطويق لبنان وبقية دول المنطقة. ... وبعد: اولاً: في ضوء كل ما تقدم وحيال فشل جميع السيناريوات التي أعدت كمشاريع حلول للأزمة في سورية، على كل هذه الجهات الأقليمية والدولية اجراء مراجعه شاملة وتكوين بعض الرؤى الجديدة لمواجهة المزيد من التصعيد سواء في الداخل السوري او في دول الجوار. ثانياً: بشار الأسد بين العقدة والحل. وخلال الاجتماع الذي انعقد في باريس بين وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ووزير خارجية فرنسا لوران فابيوس حدث التالي: «أكد الجانبان ان بقاء الرئيس الاسد في السلطة هو العقبة الرئيسية التي تقف في طريق التفاهم بين روسيا والدول الغربية للتوصل الى تسوية». وقال فابيوس: ناقشت مع لافروف مسألة رحيل الأسد وكنا متواجدين معاً في جنيف، وعندما وقعنا البيان وظهر خلاف بين الجانبين حول قراءة البيان، اذ نحن (باريس) اعتبرنا ان لا حل ممكناً ببقاء بشار الأسد والعمل في حين ان الزملاء الروس قالوا: ان بشار الاسد موجود في الحكم وينبغي العمل معه وهذه هي الصعوبة الاساسية. وأضاف: «كلما استمرت الازمة السورية وتزايد عدد الضحايا وتزداد صعوبة السيطرة على الصراع لأن التشدد والانقسام الطائفي يزيد ويزداد تدخل اشخاص من خارج سورية، ونحن والروس نؤكد ضرورة ضمان حقوق كل الطوائف في سورية ولا نريد ان نواجه الخطر الذي واجهناه في العراق حيث تغير الرئيس ولكن خلق نزاعاً ادى الى صراعات داخل العراق». الم يقل الرئيس بشار: أنا او لا احد وانا او ارهاب «القاعدة»؟ الم نقل في هذا المكان بالذات منذ اسبوعين ان التاريخ سيكشف ان الدكتور بشار الأسد هو الرئيس الاكثر تكلفة في التاريخ؟ * إعلامي لبناني