«الناس قد تدفع زيادة للأكل ... لكن ليس للورق»، هكذا يقول الحاج رمضان فارس متعهد جرائد منطقة «وسط البلد»، في إشارة إلى رفع الدعم عن المحروقات وزيادة أسعار بعض السلع الأساسية في مصر أخيراً. ويعتبر فارس أحد أشهر بائعي الصحف في القاهرة، ويقال إن بعض رؤساء تحرير الصحف اعتاد المرور به لأخذ فكرة عن مبيعات صحفهم ورأي الناس فيها. ويعتقد الحاج رمضان أن الصحافة الإلكترونية المجانية لم تترك مجالاً للورقية، «فلم يعد القارئ ينتظر الصحيفة ليعرف الأخبار»، ما يجعله غير متفائل بمستقبل الصحافة المطبوعة في مصر. «أنا أستحق أن أكون رئيس جمهورية، لأن لا أحد يعرف التحرير مثلما أعرفه»، يقول فارس الذي يفرش جرائده في المكان ذاته من الميدان منذ 50 عاماً من أعوامه ال 62، مضيفاً: «الصحافة ليست وحدها التي تغيرت، بل تغير الميدان أيضاً في السنوات الأخيرة. عندما يشعر الناس بالخوف من السير في مكان ما، يصبح بالتأكيد خرابة». ويتابع متحدثاً عن الميدان: «لم ينقطع عنه الوزراء ورؤساء الصحف إلا في السنين الأخيرة قبل قيام ثورة 25 يناير بقليل»، إذ كان عدد منهم معتاداً على شراء الصحف يومياً من «فرشة» الحاج رمضان. ويستطرد قائلاً: «الأمان أفضل من الطعام والشراب، والحرية من دون أمان تعني أن يستوقفني البلطجية في الشارع لسلب أموالي التي أشتري بها الطعام والشراب. عشت 50 عاماً في الميدان ولم أر ما رأيته في 3 أعوام، البلطجية يدخلون بالسلاح لسرقة شركات السياحة المنتشرة في المنطقة، ويطلبون مني دفع إتاوة يومية كي يسمحوا لي ببيع الجرائد هنا، إلا أني لم أستسلم ودافعت عن منطقتي ورفضت دفع الإتاوة وواجهتهم أنا وأبنائي، ويجب على المصريين مواجهة البلطجية وليس الاستسلام لهم». وأشار فارس إلى قرار الصحف رفع أسعار بيعها قائلاً: «مهما زادت أسعار الأكل الناس لن تتوقف عن تناول الطعام، إلا أن زيادة الأسعار ستدفعهم لتوفير الجنية للخبز بدل الصحيفة، بالإضافة إلى وجود الصحافة الإلكترونية المجانية، الناس توقفت عن الإقبال على الصحافة الورقية منذ وقت، وعلى رغم هذا لم يدرك أصحاب الصحف هذه الأزمة ورفعوا سعرها». وأضاف: «نصيحة من رجل قضى عمره في بيع الجرائد، على مالكي الصحف إعادة السعر كما كان قبل ثورة 25 يناير، فلربما يستطيعون بهذا تعويض خسائرهم، وأيضاً إنقاذ عملنا الذي بات مهدداً من الصحافة الإلكترونية». ويعتقد أن الجمهور لم يعد يهتم بالصحف الورقية لأجل الأخبار، بل «لأجل هواياته ومتابعة الوفيات والبحث عن فرص عمل». ويقول الحاج رمضان جازماً: «مصر لم يعد فيها أدباء، ولا حركة ثقافية»، لكنه يستطرد بالقول: «هناك من يكتبون، وأعرفهم شخصياً، ومنهم من حصل على جائزة أدبية، إلا أنهم لم يحصلوا على الشهرة الكافية مثل الأدباء الكبار. الأدب في مصر صار يخضع لمبدأ الصيت ولا الغنى». ويلفت إلى أن أحد أبنائه ينوي فتح مكتبة ودار نشر بعد أن ينهي خدمته في الجيش «لأنه يتمنى أن يصبح كاتباً مشهوراً». ويعتقد الحاج رمضان في سياق آخر، أن الإجراءات الاقتصادية الحكومية الأخيرة، مثل رفع الدعم عن المحروقات، لا بد منها لأجل المستقبل: «كيف يقبل شعب أن يعيش على المعونات؟ منذ أكثر من عام والدول العربية والخليجية تساعدنا، بالإضافة إلى الديون المتراكمة علينا، وهذا يستوجب من المصريين التضحية واحتمال الظروف الصعبة، كي نستطيع بعد فترة الحياة بأموالنا الخاصة عوضاً من الاستدانة». وفي كل الحالات، يعلن الحاج رمضان تفاؤله بتحسن الأمور وعودة الأمان إلى مصر، لكن نظرته للصحافة الورقية تبدو أقل تفاؤلاً بكثير.