باتت عادةً مألوفةً لدى المشاهدين العرب، على الأقل، أن يكونوا مع نهاية كل عام، وقبيل انبلاج فجر اليوم الأول من العام الجديد، على موعد مع حفنة من المُنجِّمين، الذين يقومون بقراءة الغيب، واستنكاه أسرار العام المقبل. عادة مألوفة تماماً، إلى درجة أن شاشات التلفزة العربية باتت تتنافس في ما بينها للحصول على فرصة اللقاء بأحد هؤلاء المُنجِّمين للإطلالة على جمهور المشاهدين في سهرة ليلة رأس السنة، الأمر الذي سيضمن للشاشة إقبالاً أوسع من غيرها، بل إن شاشات التلفزة العربية، صارت منذ سنوات تحاول الاستئثار بنجمها الخاص، الآتي من ذاك العالم الذي يلفّه الغموض، وينوس ما بين التصديق والتكذيب، والأخذ على محمل الجدّ أو على سبيل التسلية، إن لم نقل السخرية. من المنطقي القول إن الإنسان الخائف من المستقبل، المرعوب من قادم الأيام، والذي لا يأمن على حياته، أو رزقه، أو أمانه، هو الأكثر إقبالاً على استلهام القليل من الطمأنينة من خلال أقوال العرّافين (بعضهم يسمّي نفسه عالم فلك)، على رغم أن الإنسان هذا يدرك في قرارة نفسه أن الأمر لا يعدو كونه افتراضات لا سند موضوعياً لها، مما يجعله يقوم لإسكات قلقه بالتنقيب بحثاً عما يساند مصداقية هذا المُنجِّم أو ذاك، عاماً بعد عام. لا نريد مناقشة هذه الظاهرة، أو مدى حقيقتها وعلاقتها بالعلم والدين. جلّ ما نريد الذهاب إليه، هو ملاحظة انتشارها، وولع قسط من المشاهدين بمتابعتها، وبالتالي اهتمام القنوات التلفزيونية بتلقّف المنجمين إلى درجة أن يكون منها مالكة حقوق حصرية لظهور هذا أو ذاك منهم ليلة رأس السنة، قارئاً كفّ أيام العام المقبل، طارحاً عناوين عامة قابلة للقراءة الفضفاضة، والاحتمال، والتأويل، ليهتف متابعوه في نهاية العام مهللين، من دون أن ينتبهوا إلى حقيقة أنه إن صحّت توقعاته في واحدة أو أكثر من عناوينه، فإنه لم يصدق ولم يُصِبْ في الكثير منها. ولأن عام 2011، تميّز عن غيره من السنوات العربية السابقة، إذ شهد موسم «ربيع الثورات العربية»، وسقوط ثلاثة أنظمة حكم (لم يقل أيّ من المُنجِّمين ذلك صراحة، ولكن وُجد طبعاً من يطوّع الكلام لاستنباطه)، فقد كان من الطبيعي لهم أن يتشوّق المهتمون بهذا الطراز من الفقرات، أو البرامج، بانتظار ما سيقوله المُنجِّمون على بوابة العام 2012. لم يعتذر أحد من المُنجِّمين عن عدم معرفته المُسبقة بأبرز مجريات العام 2011 وأهمّها، ولا عن عدم استقرائه لما كانت تحبل به المجتمعات العربية، وستبدأ تتمخّض عنه بعد أسبوعين فقط على بداية ذاك العام. ربما لهذا، وبافتراض حُسن النوايا، كان أن تحوّل أحدهم لممارسة دور «مُحلِّل سياسي»، أكثر من دور «مُنجِّم»، إلى درجة أنه عوض الحديث عما تفرضه عليه أصول مهنته وتقاليدها من توقّعات وتكهّنات، راح يتحدث عن آرائه السياسية وأمنياته الشخصية ورغباته الخاصة، التي جعل على رأسها وفي مقدمها، طموحه للقاء ب «السيد الرئيس».