مي سونوفي رونييه «أفتن بوستن» - تخطّت الحرارة الثلاثين درجة، وبسطت الشمس أشعّتها في سماء زرقاء صافية، واشتدّ القيظ محوّلاً امتدادات الاسفلت في أوسلو إلى نارٍ كاوية. وفي حيّ معروف باسم غرونلاند، انهمك شابّان بجرّ عربة توسّطتهما محمّلة بالليموناضة الباردة، والقهوة، والبطّيخ. وهذا المقهى الجوّال هو مشروع نموذجيّ، يعود ريعه بالكامل إلى الأعمال الخيريّة، مع أنّ الهدف منه، عند انطلاقه، كان استحداث مكان للتواصل الاجتماعي في بعض شوارع المدينة الأكثر هدوءاً. «لم يكبر أيّ منّا في أوسلو، ومع ذلك، نحبّ هذه المدينة، ففيها أماكن متمدّنة جميلة، وشوارع ساحرة. وأردنا، من بين أمور أخرى، إضفاء بعض الحياة على أوسلو، وتحويلها إلى مكان تحلو فيه الحياة أكثر»، يقول لارس بيتربيرغ (26 سنة)، وهو من الأشخاص الذين حفّزوا على إطلاق المشروع. وتقوم فكرة المقهى الجوّال على جر عربة تقدم المشروبات فيما يدفع المارة أي سعر يريدونه لتناول فنجان قهوة أو شاي، أو لشراء كوب من العصير. ويذهب ريع المشروع للأعمال الخيريّة، ويصوّت زبائن المقهى للغاية الخيريّة التي يجب أن تحصل على دعم. ويقول بيرغ: «هذا المشروع أجمل ما فعلت في حياتي، فنحن نتعرّف إلى أناس شيّقين كثيرين، من بينهم أشخاص ما كنّا لنلتقي بهم في أيّ مكان آخر، وفقاً لما كشفه إيليف سالمونسن (27 سنة)، انهمك بإيقاف المقهى الجوّال بجوار مركز الشرطة في غرونلاند». مرّت ميريام هنريكسن، وقد أضناها الحرّ، وقرّرت الاستمتاع بكوب من الليموناضة الباردة المنزليّة الصنع. وتقول قبل أن تتوارى مسرعة في الشارع: «أنا كنت بحاجة إلى المساعدة أكثر من مرّة. وبالتالي، أعتبر هذه المبادرة إيجابيّة للغاية، كما أنّ هذا المقهى يطغى عليه جوّ دافئ وجميل، ويسعدني أن أتمكّن من المساعدة». تطلّب المشروع بعض الجهود عند انطلاقه السنة الماضية. واتّخذ المقهى الجوّال في البدء شكل عربة يدوية الصنع، وُضع عليها كرسيّان، علماً أنّه قبل أيام قليلة من لقائنا الشابّين، اختبرا أزمة، لأنّ القائم بالأعمال المنزليّة لديهما بالغ في جهوده، ورمى العربة بكاملها في مكبّ النفايات. وبالتالي، أمضيا ليلة كاملة يصنعان عربة جديدة، وحصلا على طاولة جديدة وعلى كرسيّين عبر موقع «فايسبوك». «على الأقل، سيتسنّى لنا تكذيب الأقاويل عن أن أهل أوسلو باردو الطباع ومتكبّرون. وسيشكّك بعضهم طبعاً في ما نفعله، إن اعتقدوا أنّنا نحاول أن نبيعهم غرضاً. ولكن متى أدركوا أن الأموال ستُنفَق كلّها على الأعمال الخيريّة، يأتي ردّ فعلهم إيجابياً في معظم الأوقات. ولم يسبق لأيّ كان أن استغلّنا. وحتّى الآن، كانت تجربتنا إيجابيّة بالكامل»، كما أكّد بيرغ. ويجرّ الشابّان عربتهما في أرجاء المدينة، بدءاً بحيّ فروغنر، ومروراً بمنطقة توين المتعددة الثقافات التي تقطنها الطبقة العاملة. ولكنّهما أكّدا أنّهما لم يلحظا فارقاً كبيراً، على رغم الانقسام الظاهر بين شرق المدينة وغربها. ويقول سالمونسن: «إن كان الناس في عجلة من أمرهم، فسيتجاهلونك، ولن يهمّ إن كانوا في شرق المدينة أو غربها. والكرم موجود في مطلق الأحوال». ويضيف: «جنينا اليوم أكثر من 1700 كرونة، أي ما يناهز 200 يورو». ويتابع بيرغ: «أفضل ما نأمل بتحقيقه هو حضّ الناس على التوقّف هنيهة والدردشة لبعض الوقت. ولا نعرف ما الذي سينجح فعلياً، لأنّه ما من تجار موهوبين بيننا، ولكننا نستمتع بالتحدّث إلى أشخاص مختلفين تماماً». وسريعاً لفت انتباه سيّدتين فيما كان يتكلّم، وقالت احداهما فرح خودادادي: «تنبّهنا إليهما عندما سمعناهما يقولان إنّ ريع المشروع سيذهب لغايات خيريّة. ويسرّنا أن ينشط شابّان لمساعدة الغير. ويسعدنا كثيراً أن ندعمهما، فمن يدري ما يحمله المستقبل». وفي يوم حار ومشمس كهذا، نالت الليموناضة رواجاً كبيراً فيما القهوة لم يطلبها أحد. ويقول بيرغ: «تعلّمنا من تجربتنا الماضية أنه يجب تقديم مشروب بارد في الأيام الحارة فالعصير والبطّيخ يلقيان رواجاً كبيراً». «طعم الليموناضة لذيذ فعلاً. وهذه المبادرة مختلفة، بطريقة إيجابيّة. أنا لا أحبّ الباعة المتجوّلين، ولكنّ هذه المبادرة ممتازة. وما أجمل أن يقرّر أحدهم أن يمضي وقته في مساعدة الآخرين. فالناس بغالبيّتهم مهووسون بأنفسهم إلى حدّ الإزعاج» وفقاً لمادسن. يؤكّد بيرغ وسالمونسن أنّهما ليسا مرغمَين على تكريس وقتهما للمشروع، بل يتيح لهما أيضاً تمضية الوقت مع الأصدقاء ولقاء الناس، ويمنحهما شعوراً بالإثارة، والتشويق، والمتعة. ولكن هل فيه تضحية؟ أبداً. تابع أخبار المقهى الجوّال على موقع «فايسبوك»: facebook.com/denrullendecafe