تم أمس تنصيب المفتي الجديد للجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خلفاً للمفتي المنتهية ولايته الشيخ محمد رشيد راغب قباني في احتفال حاشد حضرته 1500 شخصية لبنانية وعربية من بينها وفد من المملكة العربية السعودية برئاسة سليمان بن عبدالله أبا الخيل بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، وآخر من مصر برئاسة المفتي الشيخ شوقي علام. وتقدم الحضور في قاعة الرئيس رفيق الحريري في مسجد محمد الأمين في قلب بيروت الرؤساء السابقون ميشال سليمان وأمين الجميل وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي والنائب هاني قبيسي ممثلاً الرئيس نبيه بري وحشد من رؤساء الطوائف الإسلامية والمسيحية ووفد من «حزب الله» ووزراء ونواب. ووجه سلام التحية إلى المفتي قباني وإلى المفتي الجديد وإلى «كل أصحاب المساعي الخيرة، الذين ساهموا في إنجاح العملية الانتخابية في دار الفتوى. وأخص بالذكر أشقاءنا في جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية»، معتبراً أن عملية تنصيب مفتي الجمهورية تدشن عهداً جديداً في مؤسسة دار الإفتاء التي تنتظرها تحديات كبيرة على المستوى التنظيمي الداخلي، كما على مستوى رعاية شؤون المسلمين». وقال إن «المجتمع الإسلامي يتطلع بثقة تامة إلى هذه الدار الكبيرة، آملا بتعزيز مؤسساتها لتحسين قدراتها في رعاية الشأن الوقفي والخيري والديني والاجتماعي على أكمل وجه، وفي مهمة الإرشاد العام الملقاة على عاتقها، لمواجهة التطرف والغلو، ولنشر قيم التسامح والوسطية والاعتدال. إن الأنظار تتجه إلى دار الفتوى ومساهمتها الوازنة على المستوى الوطني استكمالاً للدور التاريخي الذي طالما تولته في حياتنا الوطنية، سواء في شد اللحمة داخل الطائفة السنية، أو في العمل الدؤوب على التقريب بين المذاهب الإسلامية، أو في مواقفها المتقدمة من الحوار الإسلامي- المسيحي، وحرصها على الوحدة الوطنية وإبقاء أبواب التواصل والحوار مفتوحة مع الجميع». وأضاف سلام : «إسلامنا العظيم، دين المحبة والاعتدال والوسطية والتسامح، يتعرض اليوم لهجمة شرسة من جماعات تكفيرية ظلامية تعيث فساداً في الأرض.. تقتل وتذبح وتشرد الأطفال وتسبي النساء وتدمر المجتمعات عبر تهجير الجماعات الدينية والعرقية، وفرض ممارسات وأنماط عيش في مناطق سيطرتها لا يقرها دين ولا يقبلها عقل. هذه الجماعات الإرهابية المتشددة، التي تستغل الجهلة وضعاف النفوس باسم الإسلام، وصلت شرورها إلى لبنان، وقد عشنا جميعاً الهجوم الغادر على بلدة عرسال العزيزة الشهر الماضي، وما أسفر عنه من شهداء وخسائر مادية ومخطوفين من العسكريين مازالوا في الأسر حتى اليوم». وأكد «أننا سنواصل العمل في كل اتجاه.. ولن نتوقف أو نستكين قبل أن نعيد هؤلاء الأبطال إلى عائلاتهم سالمين». ودعا المسلمين، اللبنانيين والعرب، إلى خوض معركة تثبيت المسيحيين في أرضهم، والحرص الكامل على وجودهم وفاعليتهم في لبنان والعالم العربي، وعلى تكاملهم وشعورهم بالانتماء والرضا، بعيداً من أي شعور بالإحباط، أو بالحرمان، أو بالخوف على المستقبل. وقال: «ليس الهدف حفظ المسيحيين كوجود مادي فقط. إنما الهدف هو الوجود والحضور معا، والفاعلية والدور في صنع القرارات، وفي تسيير شؤون المجتمعات والأوطان في شراكة كاملة بينهم وبين المسلمين. إن المسيحيين المشرقيين، خصوصاً المسيحيين اللبنانيين، هم - والمسلمون اللبنانيون - أصحاب الأرض وأهل الدار». وجدد الدعوة إلى انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، المسيحي الماروني، اليوم قبل الغد، معتبراً أن تعطيل هذا الاستحقاق الرئيسي، الضروري لحسن سير عجلة الدولة، يلحق ضرراً بالغاً بالمسيحيين، فضلاً عن ضرره المؤكد على لبنان الذي يفقد كثيراً من معناه وجوهره كلما تضاءل دور المسيحيين فيه وتراجع حضورهم في الحياة الوطنية. وإذ قال إن «العلاقات داخل الطائفة الإسلامية، ليست في أفضل أحوالها. وليس خافياً على أحد أن احتدام التباينات السياسية في السنوات الماضية فاقم النزعة المذهبية وجعل الأجواء الأمنية، للأسف، أقل مناعة تجاه الانزلاقات الأمنية المحتملة، وقد شهدنا في البقاع منذ أيام نموذجاً لذلك»، دعا «كل ذي إيمان، وكل مسلم حريص على مجتمعه الإسلامي وعلى وطنه، إلى المساهمة في معالجة سريعة لهذا الوضع المؤلم بقلب مفتوح ويد ممدودة، لأن نقيض ذلك وبال على لبنان واللبنانيين إلى أي طائفة انتموا». واستهل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان كلمته بتحية الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأعرب عن شكره للمفتي قباني «على ما أعطاه»، مرحباً ب «العزيز الغالي الشيخ دريان»، واصفاً إياه «بالإنسان الورع والعاقل ورجل المستقبل». وقال: «وكم كنت أتمنى أن تكون السنة والشيعة والدروز على طاولة واحدة، و أن يكون المسيحي والمسلم على طاولة واحدة». وشدد قبلان على أننا «ندعو ونصر على أن يكون لبنان دولة مدنيّة، تعطي للجميع حقوقهم، وتشارك الناس..». وطالب الجميع بأن «نكون عقلاء ومحبّين، وننسى الماضي، وأن ننزع السلاح من أيدي الناس، وأن نصر على أن يكون السلاح بيد الدولة وبيد الجيش، ولن نقبل أن يبقى العسكريين مخطوفين أو في الأسر، ولنهبّ هبّة واحدة، ونذهب إلى عرسال جميعنا، لننقذ هؤلاء». ولفت شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن: «الى ضرورة تجديد العهد الذي طالما دأبت القيادات الروحية على التأكيد عليه، وهو عهد التلاقي على كلمة سواء والحفاظ على البيئة المشتركة. وأن تكون أولوياتنا اليوم إدانة أي خطاب ينحو منحى الكراهية والبغضاء ونبذ الآخر وندعو الى الاعتدال». وقال: «نرفض تعجيز حكومتكم دولة الرئيس»، داعياً إلى انتخاب رئيس توافقي للجمهورية. وإيلاء مسألتي العلاقات الإسلامية- الإسلامية والإسلامية- المسيحية الكثير من جهودنا المخلصة. ولفت رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر في كلمة ممثلاً البطريرك الماروني بشارة الراعي، إلى «أننا نتطلّع إلى التعاون الكامل مع المفتي ودار الفتوى، في خط العلاقات الإسلامية – المسيحية، وشدّ أواصر العيش معاً الذي ينظمه الدستور اللبناني، وينعشه روح الميثاق الوطني، وتجسّده الصيغة اللبنانية الميثاقية». وقال: «إنّنا ندرك معكم أنّ العيش معاً يبدأ أولاً بين مكوّنات كلٍّ من العائلة الإسلامية والعائلة المسيحية اللتين تتآكلهما انقسامات حادّة، ويقع ضحيتها لبنان وشعبه ومؤسساته الدستورية». وقال أبا الخيل: «جئتكم من المملكة العربية السعودية قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ومتطلعهم والمعينة لقضاياهم في مشارق الأرض ومغاربها بتوجيه كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز رجل السلام وداعية الوسطية والاعتدال، الذي ضرب مثالاً رائعاً في مكافحة الإرهاب والإرهابيين ومواجهة التطرف والمتطرفين وأرسى قواعد الحوار وتبادل الثقافات والنقاش بين أتباع الديانات بطريقة متميّزة ومنهجية واضحة وبموضوعية واتزان يشهد له بذلك القاصي والداني ويقر له به الجميع.. جئنا نحمل رسالة سلام وتحية وإكرام إلى أهلي وشعبي في دولة عزيزة على قلوبنا جميعاً هي الجمهورية اللبنانية الحبيبة». وقال: «إن العلماء وطلبة العلم أياً كان تخصصهم وفي أي مكان كانوا يعول عليهم الشيء الكثير في نشر مبادئ الإسلام الصحيحة المستمدة من نصوص الوحيين بعيداً من الغلو والجفاء والإفراط والتفريط وإيصالها إلى المسلمين وغيرهم ليعرفوا حقائق هذا الدين كما جاءت وليضعوها بقوالب معاصرة تبرز محاسن الدين الإسلامي وشمائله وكمائله ومكارمه التي لو عملنا بها كعلماء وطلاب علم ونشرناها بين أبنائنا لاندحر كل مبتغ للفتنة أياً كان نوعه». وأضاف: «نبارك ونهنّئ الشيخ دريان على هذا الاختيار الموفّق، فقد عرفناه وسمعنا عنه أنه صاحب علمية متميّزة ومنهج واضح وعقلية فريدة سيستطيع من خلالها أن يقوم بمسؤوليته الجسيمة في زمن متسارع، للفتنة فيه صولة ولأهل الفساد جولة، ولكن لا يردّهم ولا يبيّن مخاطر هذه الفتن إلا أمثال هذا العالم الجليل». وتابع: «إننا كعلماء في المملكة، نضع أيدينا بأيديكم وسنتعاون معكم تعاوناً يحقق المصالح ويدرأ المفاسد ويجعل هذا الدين نبراساً يضيء للعالمين الطريق، وهذا هو ما وجهنا به ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبدالعزيز وولي ولي العهد النائب الثاني الأمير مقرن بن عبدالعزيز الذين يعملون جهدهم من أجل خدمة الإسلام والمسلمين فوق كل أرض انطلاقاً من رسالة الإسلام الخالدة». وقال مفتي الديار المصرية الشيخ شوقي علام، إن «مفتي الجمهورية اللبنانية الجديد عبد اللطيف دريان يمتاز بدراية وفهم بعلوم الواقع وعلوم أصول التربية، ولا أنسى أنه أحد أبناء الأزهر الشريف، فقد تابع دراسته العليا في الأزهر وكذلك دراساته التربوية العليا في جامعة عين شمس في القاهرة وتشبّع بالعلم الشرعي الوسطي والمنهج الأزهري». وقال لدريان: «حملت على عاتقك مهمة شاقة ومسؤولية عظيمة ذات أهداف عدة، في مقدمها جمع الصف اللبناني ونشر الاعتدال والتعايش بين أبناء الشعب اللبناني بكل أطيافه، وكذلك نبذ التطرف والإرهاب الذي يتخذ من الدين مطية له في ظل ما تشهده المنطقة من انتشار لجماعات إرهابية تستغل حماسة الشباب وتدفعه باسم الجهاد والخلافة الإسلامية إلى تدمير أوطاننا وتشويه صورة الإسلام السمحة». ولفت إلى أن «لبنان وشعبه في وجدان المصريين جميعاً، والأوطان لا تشاد إلا على أسس من الحق ولا ترتفع وتدوم إلا بدعائم من الأخلاق السامية، وإسلامنا هو الذي علمنا أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ففتح قلوبنا على علاقات إسلامية إسلامية، وعلاقات إسلامية- مسيحية، وهو أمر يتطلب فكراً ومبادرات إصلاحية كبرى والحاجة إلى تعزيز ثقة المجتمع الإسلامي والوطن العربي». وزاد: « ينتظر المؤسسة الدينية العديد من الأدوار والوظائف التي لا بد من الاضطلاع بها، كقضية الخطاب الديني، التي تستحوذ على الأهمية الكبرى في العصر الحاضر نظراً الى ما يرتبط بهذا الخطاب من التباس أخرجه أحياناً عن جادة الصواب من قبل فريق استغل التجديد كوسيلة للعبث بأصول الإسلام وتغيير ثوابته والتطاول عليها». وكان المفتي علام اعرب لدى وصوله الى بيروت عن قلقه من «الارهاب ونحن في الازهر وفي دار الإفتاء المصرية واجهناه بالتفكيك الفكري، ويبذل الازهر جهداً كبيراً في هذا الخصوص»، لافتاً إلى أن «ظاهرة «داعش» من النبتة الشيطانية التي دانها الازهر، وفي استخدام مصطلح الدولة الاسلامية تمويه وتلبيس على الناس في افكارهم» واختتم الاحتفال بكلمة للمفتي دريان لفت فيها الى ان «الظروف التي تمر بها منطقتنا، وديننا، وبلادنا، وأمتنا، تستدعي اجتماعاً وموقفاً، ترتفع فيه كلمة الحق والاعتدال في وجه التطرف، وسيول الدم والخراب والدمار والتهجير، ففي أقل من خمس سنوات سقط في ديارنا العربية أكثر من نصف مليون قتيل معظمهم من المدنيين العزل، وتهجر من الديار وعن الديار أكثر من عشرة ملايين، وكل ذلك في أفظع جريمتين عرفهما عالم الإنسان، وهاتان الجريمتان الفظيعتان هما الواقعتان في شتى الأنحاء العربية، وعلى سائر فئات الناس، لماذا يكون على المسيحيين أو على الأيزيديين أو على السنة أو على الشيعة أو على غيرهم أن يواجهوا القتل والتهجير بسبب الدين، أو بسبب المذهب؟ وممن؟ من جانب عصائب ضالة ومضلة باسم الدين أو باسم المذهب أو باسم شهوات السلطة والثروة والإمبراطورية؟». وقال: «لدينا مسؤوليات كبرى في ما يخص أجهزتنا الدينية، ينبغي أن نكون حاضرين ومبادرين لحماية الناس وحياتهم، وليس لتسويغ القتل باسم الدين». أضاف: «تقع أمتنا وأوطاننا بين الفتنة والمحنة، والمسلم يسأل ربه أن يجنبه الابتلاء والبلاء، والشركاء المسيحيون يسألون الله ألا يدخلهم في التجارب، إن واجب الأمة أن تعمل في كل آن على الخروج من الفتنة والبلاء أو التجربة أو المحنة». وسأل: «ماذا تسمون حالتنا في لبنان، إن لم تكن قد بلغت حدود الجريمة الأخلاقية؟ لم يتمكن المجلس النيابي حتى الآن من الالتئام في جلسة مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، مع أن هذا المجلس تحول إلى هيئة انتخابية وأصبح انتخاب الرئيس الجديد الذي هو الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي هو واجبه الأول. ولا تستطيع حكومتنا الاتفاق على طريقة أو نهج لإخراج جنودنا من احتجاز المسلحين الذين يبلغ بهم الإجرام أن يذبحوا بعض الجنود المحتجزين كأنما هم نعاج، ولماذا كل هذا؟ لأنه لم يجر الاتفاق على طريقة لحماية حدود الوطن وإعادة الاعتبار للدولة ودورها وسلطتها وهيبتها وعدالتها، وإعادة الاعتبار للإنسان في لبنان». وزاد: «نحن لا نطلب ذلك اليوم وغداً من المسلحين من كل فئة ولون، فقد صار السلاح هو البلاء الأعظم، نطلب العمل على حماية الوطن والدين والدولة باسم المواطنين الذين عانوا ويعانون في كرامتهم وحريتهم ودينهم من السلاح والمسلحين الخارجين عن سلطة الدولة، وعن أعراف العيش المشترك وقواعد السلم الأهلي». وأعلن دريان «التمسك بالعيش المشترك الإسلامي المسيحي، وباتفاق الطائف، والالتزام بنهج السلم والسلامة والإسلام الكفيل بحماية الإنسان والأديان والأوطان» . وقال: «إن نهج السلم والاعتدال هو نهج القرآن والنبي، وهو نهج وثيقة الأزهر الشريف، والوثائق الإسلامية الأخرى التي صدرت في مكة وعمان، والتي حضت على نبذ العنف بكل أشكاله، وأكدت على حرمة الدماء والممتلكات، وواجبات الدول في حماية أمن الوطن والمواطنين، وإدانة التحريض على العنف والإرهاب أو تسويغه باسم الدين، والالتزام بالحوار ونهج العيش المشترك بين مكونات الجماعة الوطنية، وحماية النسيج الوطني الواحد من الفتن الطائفية والمذهبية المصنوعة والحقيقية»، معلناً «الاتفاق التام مع وثيقة الأزهر الشريف والمسماة منظومة الحريات الأساسية الأربع: حرية العقيدة والعبادة، وحرية الرأي والتعبير، وحرية البحث العلمي، وحرية الإبداع الفني والأدبي». إسقاط دعوى اختلاسات الأوقاف علمت «الحياة» أن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الممددة ولايته باشر باتخاذ الإجراءات لإسقاط الدعوى الجزائية المقامة على ب.ت ومن يظهره التحقيق بتهمة اختلاس أموال الوقف الإسلامي التابعة لدار الإفتاء... وأكد مصدر في المجلس الشرعي أن جميع أعضاء المجلس أوكلوا الى أحد كتّاب العدل اتخاذ الاجراءات لإسقاط الدعوى، وقال ان الإسقاط سيسجل اليوم لدى قلم قاضي التحقيق المكلف النظر فيها تمهيداً لسحبها.