سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مهام جسام أمام مفتي لبنان الجديد أمام سماحة الشيخ عبداللطيف دريان مهام جسام، أولاها إكمال مسيرة سلفه من العلماء الكبار، ثم رأب الصدع في البيت السنّي أولاً والإسلامي ثانيًا في لبنان، والعمل لاجتثاث شأفة التطرف وتأصيل الوسطية والاعتدال
يعتبر انتخاب سماحة الشيخ عبداللطيف دريان مفتيا للبنان حدثا ذا بال ويكتسب أهمية كبيرة في هذه المرحلة الدقيقة التي يعيشها العرب المسلمون عموما، وأهل السنة خصوصا، وفي منطقة الشام والعراق تحديدا. إذ لم يشهد التأريخ الإسلامي مرحلة أدق من هذه المرحلة ولا أخطر على أهل السنة، فقد لا تساويها في الخطر مراحل الخوارج والقرامطة بل والبرابرة. إذ تتداعى على أهل السنة والجماعة اليوم بقية الطوائف المحسوبة على الإسلام مجتمعة من جهة، وفئة متطرفة منحرفة ضالة من جهة أخرى، قد تكون الأنكى بلاء لأنها تسعى لاختطاف الاسلام كما بيّن خادم الحرمين الشريفين في كلمته التأريخية التي نبه بها العالم كله إلى خطر هذه الفئة المحدق على الإسلام والمسلمين وعلى السلم والأمن الدوليين. وهو عين ما اكده دولة رئيس وزراء لبنان الأسبق الشيخ سعد الحريري في كلمته التي ألقاها في بيروت في الحفل الذي أقيم بمناسبة انتخاب سماحة الشيخ عبداللطيف دربان مفتيا للبنان، إذ أكد دولته "رفض اللبنانين جميعا وتصديهم لقلة من المتطرفين تحاول أخذ الإسلام والمسلمين إلى مواجهة مع باقي الشركاء في الوطن والأمة". وفي الحفل نفسه الذي أعلن فيه دولة رئيس وزراء لبنان الحالي تمّام بن صائب سلام فوز سماحة الشيخ عبداللطيف دريان بتحصله على 74 صوتا مقابل ثمانية أصوات للمرشح الآخر، في الحفل نفسه أخذ سماحة المفتي المنتخب زمام المبادرة ليعلن صراحة عن توجهه وقناعاته بضرورة نبذ الانقسام وتعزيز العيش المشترك في المجتمع اللبناني المتعدد الطوائف، وليؤكد أن المجتمع الإسلامي عامة واللبناني خاصة ينبذ التشدد والتطرف، "فديننا دين الاعتدال والتسامح والعيش المشترك" كما جاء في كلمة سماحته. وسماحة المفتي المنتخب الذي سيتولى مهامه في منتصف سبتمبر المقبل صاحب تاريخ طويل في العمل الإسلامي في لبنان، ويعرف عنه الجميع حكمته ورويته واعتداله اضافة الى علمه الشرعي الغزير، وكونه شخصية تحظى بقبول أهل السنة وسواهم من الطوائف الإسلامية وغيرها. وقد تجلى كل ذلك بوضوح خلال الفترة التي قضاها رئيسا للمحاكم السنية الشرعية العليا في لبنان في السنوات الماضية، إذ عُرف بإحقاق الحق ونبذ المحسوبيات والانضباط التام في مسيرته العملية. وسماحته صديق مقرب مني وزميل دراسة في المرحلة الثانوية في معهد أزهر لبنان في بيروت الذي درست فيه في أواخر الستينيات الميلادية وتخرجت فيه عند مطلع السبعينيات، وكان أن أكملنا سويا الدراسة الجامعية في المملكة العربية السعودية، إذ عدت إلى أرض الوطن لأكمل دراستي في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة وكانت وقتها شطرا لجامعة الملك عبدالعزيز، بينما قُبل سماحته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة واكمل دراسته الجامعية فيها وظللنا على تواصل دائم حتى عاد إلى موطنه لبنان ليكون سفيرا لهذه الجامعة العالمية العظيمة- كما يحلو لي أن أسمي خريجيها دوما- وكثير من خريجيها ولله الحمد يتبؤون مناصب عليا في بلادهم اليوم ما بين رئيس للوزراء ووزير وحاكم وأستاذ جامعي وطبيب ومهندس، ويعدون بالآلاف. وانقطعت عن سماحته خلال الحرب اللبنانية وكنت وقتها أكمل دراسة الدكتوراة في أمريكا، ثم عدنا والتقينا قبل سنوات، حين كرمني بإقامة حفل عشاء على شرفي في داره العامرة في بيروت التي تقع مقابل دار الفتوى مباشرة في محلة عائشة بكار، ودعا إليها معظم المشايخ وعلماء الدين في لبنان وجلهم من زملائنا في الأزهر، وكان من بينهم فضيلة الشيخ محمد دالي بلطة مفتي صيدا وصور رحمه الله. ويخلف سماحة الشيخ عبداللطيف اليوم أساتذته وأساتذتي من كبار علماء أهل السنة في لبنان: سماحة الشيخ محمد رشيد قباني تقبل الله منه الذي خدم الإسلام والمسلمين لسنوات طوال خلال عمله مفتيا للبنان بحكمته وعلمه وفضله ووقاره. ومن قبله سماحة الشيخ الشهيد بإذن الله حسن خالد الذي كان علما في العالم الإسلامي كله بجهاده وكفاحه لنصرة قضايا المسلمين. وعليه، فأمام زميلي وأخي سماحة الشيخ عبداللطيف دريان مهام جسام أولاها إكمال مسيرة سلفه من العلماء الكبار، ويأتي بعد ذلك رأب الصدع في البيت السني أولا والإسلامي عموما ثانيا في لبنان، والعمل الدؤوب لاجتثاث شأفة التطرف والتشدد والعمل على تأصيل الوسطية والاعتدال، والتأسيس لمرجعية دينية سنية مقدرة ومهابة كما كانت الحال سابقا. ودعم زعامة سنية فاعلة في الساحتين السياسية والاجتماعية، وتجسير العلاقة مع الدول العربية كافة وتعزيزها وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. ولا يبقى إلا أن ندعو لسماحة مفتي لبنان بالتوفيق والتأييد والبطانة الصالحة. [email protected]