طغى كلام الاعتدال والمصالحة ووحدة الطائفة السنّية في لبنان وحسن علاقتها مع الطوائف الأخرى، على أجواء انتخاب مفتٍ للجمهورية خلفاً للشيخ محمد رشيد قباني في دار الفتوى، وفاز بها الشيخ عبداللطيف دريان. وبلغ عدد حضور الجلسة الانتخابية 93 عضواً من الهيئة الناخبة من أصل 103. من أبرز الغائبين رؤساء الحكومة السابقين زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري (لاعتبارات أمنية) وسليم الحص وعمر كرامي (لأسباب صحية) وعضوا كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية الوليد سكرية ومحمد كامل الرفاعي والنائب محمد الصفدي لوجوده خارج البلاد. وحصل دريان على 74 صوتاً، فيما حصل المرشح المنافس الشيخ أحمد درويش الكردي (الرئيس السابق ل «هيئة العلماء المسلمين») على 9 أصوات، وألغي صوتان ووجدت 8 أوراق بيضاً. ويتسلم دريان مقام المفتي في 15 أيلول (سبتمبر) المقبل من سلفه قباني. سلام وأطلق سلام العملية الانتخابية، مؤكداً في كلمة أن «طائفتنا طائفة الانفتاح والاعتدال للمحافظة على لبنان الديموقراطي، لبنان الحرية والسيادة، لبنان الاستقلال»، وقال: «نحن اليوم نمضي في هذا السبيل بخطى واثقة يعتز بها أبناء هذه الطائفة لانتخاب مفتٍ للجمهورية بهدف توطيد دار الفتوى ببعدها المؤسسي الجامع لقيادة الطائفة دينياً، وسط ما يشهده الإسلام والمسلمون من حالات ووضعيات شاذة ومضرة، لا تمت إلى الاسلام بأي شكل». وشكر سلام «كل الذين ساهموا في تحقيق هذه اللحظات العزيزة على قلوبنا، والتي رفدت هذا الاستحقاق بما يستحق من دعم ومؤازرة لإنجاح هذه الممارسة الديموقراطية التي هي من صلب نظامنا الديموقراطي». كما شكر «إخواننا العرب الذين رفدونا ودعمونا في هذا الاستحقاق وكان لهم الباع الطويل في جمع الكلمة وتوحيد الصف، وكما تعلمون نحن مع محيطنا العربي والإسلامي أقوياء أشداء، وبعيدون عنه ضعفاء مشتتين، وليعلم الجميع أننا في وسط أمة عربية إسلامية تواجه الأخطار والصعاب، ولن تكون إلا المواقف الموحدة الجامعة في مواكبة هذا الاستحقاق». ثم رشح المفتي خليل الميس رئيس المحاكم الشرعية السّنية العليا الشيخ دريان لمنصب المفتي وزكاه عضوا المجلس الشرعي المفتي حسن دلة والشيخ رئيف عبدالله والنائب عماد الحوت. ورشح الشيخ سامر منيمنة الشيخ أحمد الكردي وبتزكية من عضو المجلس الشرعي منذر الضناوي والنائب عماد الحوت. وبعد عملية الاقتراع السرية، أعطي الرئيس سلام الكلام لإعلان النتيجة، وشكر في مستهلها «سيد هذه الدار المفتي قباني على مواكبته هذه العملية الديموقراطية». كلمة دريان واعتبر دريان في كلمته «أن العملية الانتخابية ستكون فاتحة خير ووفاق على كل مريدي الإصلاح والاستنارة والنهوض والاعتدال في ديننا الحنيف ووطننا الحبيب لبنان». وتوقف عند ما أصاب دار الفتوى «في السنوات الماضية من انقسام من حولها، وانقسامات في قلب مؤسساتها وتراجع في خدماتها الوطنية. لذلك، فإن الذي جرى اليوم تعبير عن إرادة قوية من جانب كل المسلمين في لبنان في مواجهة المشكلات. وشدد على أن «لا مجال بعد اليوم للانقسام بين المفتي والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى. وأصر اليوم وغداً على العودة لمسار ومسيرة الإلفة والوحدة والعمل بقدر الوسع والطاقة مع المجلس الشرعي لاستدراك ما فات، والاستعداد لما هو ضروري وآتٍ». ولفت إلى أن «إعادة بناء المؤسسات من طريق الانتخاب». وقال:«القصد التسديدي والتطويري لا يستقيم إلا بإعادة النظر في أوضاع الجهاز الديني، والوضع لهذه الجهة ليس مطمئناً، إن التعليم الديني في المدارس الرسمية والخاصة لا يكاد يقوم بمهام الحد الأدنى في التربية على الدين والأخلاق، ويضج مجتمعنا الإسلامي واللبناني بالشكوى خصوصاً في مجال التشدد والتطرف، وديننا دين الاعتدال والتسامح والعيش المشترك ولست أزعم أن التربية الإسلامية لو استقامت ستعالج كل مشكلات التطرف». وأشار إلى أن من الجهد المطلوب «العناية بثقافة الأئمة والخطباء في المساجد وفي الإشراف الأقوى لدار الفتوى على المدارس الدينية الرسمية والخاصة. وإننا محتاجون اليوم وغداً إلى مكافحة الفقر والحاجات الاجتماعية ومكافحة التشدد والتطرف والعنف باسم الدين في أوساطنا، ومحتاجون إلى تواصل وتفاهم أكبر في العلاقات الإسلامية - الإسلامية والإسلامية - المسيحية، ومحتاجون لبلوغ كل ذلك إلى فكر إصلاحي ومبادرات إصلاحية».وأكد أن «ديننا هو دين التوسط والمسالمة، ثم إن تجربتنا في العيش اللبناني تدفعنا بالاتجاه ذاته». العلاقة السنّية - الشيعية وقال: «المصارحة بقصد المصالحة تقتضينا القول إن العلاقات بين الشيعة والسنّة بداخل الإسلام وبداخل لبنان أقل ما يقال فيها إنها ليست على ما يرام، وأنا على يقين أن أحداً منا سواء أكان رجل دين أو سياسياً ما قصد الإساءة إلى وحدة المسلمين أو اللبنانيين لكن وقعت الواقعة، وتفاقمت النزعة المذهبية والطائفية وظهر عندنا وعندهم غلو كثير وحدث استخفاف كبير بالأنفس والأعراض والممتلكات، وما يجري في العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا هول هائل وما نصنعه بأنفسنا يكاد يعجز عن صنعه الإسرائيليون في غزة وفلسطين ولا علة لذلك غير الطغيان والتطرف: فهل نقعد عن أداء واجب المبادرة التي أمرنا بها رسول الله، لا بد من المبادرة، لأن الخسائر هائلة والفتنة بحسب ما جاء في القرآن الكريم لا تنال من المتورطين فقط. أعلم أن عديدين منكم حاولوا ويحاولون وسأتشاور معهم ومع القيادات الدينية اللبنانية والعربية في ما يمكن عمله لمواجهة هذا الشر المستطير، فهذه مهمة دار الفتوى». «النصارى الأقرب مودة لنا» وسأل دريان: «منذ قرر القرآن الكريم أن النصارى هم الأقرب مودة لنا، فكيف يرغم المسيحي بالموصل وغير الموصل على ترك الدين والدار، وتتهدد حريته وكرامته وحياته من هذه الجهة أو تلك وباسم قهر فاجر؟ إن الدفاع عن الدين والوطن والعيش المشترك يقتضينا نحن اللبنانيين والعرب جميعاً، أن نقوم معاً، وبمقتضى التجربة العريقة، بالواجب الديني والأخلاقي والوطني والعربي في مكافحة هذه الفئة الباغية على المسيحيين كما كافحنا ونكافح هذا التطرف دفاعاً عن ديننا وإنساننا، هناك 12 مليون عربي مهجر، ونصف مليون قتيل عربي خلال أقل من خمس سنوات، وتهجير المسيحيين والفئات الأخرى أو اضطهادهم من ضمن ظواهر الطغيان والتطرف والتمييز، والتي ينبغي مكافحتها اليوم قبل الغد، وأتوجه إلى الشركاء المسيحيين بمشاعر التضامن والتعاطف وإحقاق الحق والقسط، فنحن معاً نستطيع القيام بالكثير انطلاقاً من لبنان، وطن الرسالة والإنسان». عرسال وانتقل إلى الحديث عن عرسال التي كانت «بالأمس ولا تزال هي الحدث، وقبلها طرابلس وقبلها صيدا وقبلها بيروت. لكننا نبقى أهل الجماعة وأهل الدولة وأهل المبادرة، تحملنا العبء الأكبر في نزوح السوريين من أتون الحرب المدمرة الدائرة في الجوار، وتحملنا قبلها العبء الأكبر في اللجوء الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني، وبين هذا وذاك تحملنا ولا نزال، العسف والقتل والاغتيال طوال العقد الماضي من القريب القريب، لكننا نبقى أهل الجماعة وأهل الدولة وأهل العيش المشترك والمبادرة». وحيا «مبادرة خادم الحرمين الشريفين ونقدرها، ونطمئنه ونطمئن اللبنانيين إلى أنه لن يغير من طبيعتنا الطغيان ولا العدوان ولا التطرف ولا الإرهاب وسنبقى اللحمة والبلسم في لبنان ومن أجل لبنان ولن يخرجنا عن طورنا أحد أو حدث أو جور أو استئثار أو عنف لأن يد الله على الجماعة ولأن حب الوطن من الإيمان ولأن التطرف قطيعة وانبتات».