أثار الكاتب الصيني مو يان في رحلته إلى العاصمة السويدية ستوكهولم لتسلم جائزة نوبل للآداب، ضجة في الأوساط الثقافية الأوروبية. فقد صرّح، في مؤتمر صحافي عقد قبل حفل الجائزة، أن الرقابة يجب ألا تقف حائلاً دون التعرف على الحقيقة، مقارناً الرقابة على الأعمال الأدبية والفنية بأمن المطارات الذي يقوم بتفتيش المسافرين حتى لا يتسرب إرهابي ويقوم باختطاف طائرة! وأضاف ان على السلطة أن تفرض رقابة على عمليات تشويه السمعة والإشاعات. وكان الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي وصف مو يان قبل أيام من حفل تسلم نوبل بأنه «ألعوبة في يد السلطة الحاكمة في الصين» لرفضه التوقيع على بيان يطالب الحكومة الصينية بإطلاق سراح الصحافي والناشط الصيني السجين ليو زياوباو، الحاصل على جائزة نوبل للسلام. كما أن الكاتبة الرومانية - الألمانية الحاصلة على نوبل للآداب عام 2007 هيرتا مولر هاجمته قبل أسبوعين قائلة إنه شديد القرب من النظام الصيني الحاكم وإنها شعرت بالصدمة لمنح نوبل جائزتها لكاتب متحالف مع الديكتاتورية. مو يان، الذي أبدى سعادته بحصوله على نوبل، قال في خطاب تسلّم الجائزة إن «التحديات العظيمة التي واجهتني في كتابة رواياتي تتمثل في الواقع الاجتماعي الذي صورته مثلما حدث في رواية «أنشودات الثوم»، لا بسبب خوفي من نقد الجوانب المظلمة في المجتمع على نحو مباشر، بل لكون العواطف الحارّة الملتهبة والغضب تمكّن السياسة من إضعاف الأدب وتحوّلُ الروايةَ إلى نوع من الريبورتاج وتوثيق الأحداث الاجتماعية. إن الروائي، ولكونه فرداً من أفراد المجتمع، مطالب باتخاذ مواقف وحمل وجهة نظر تجاه ما يحدث في المجتمع؛ لكن عليه عندما يكتب أن يتخذ موقفاً إنسانياً، ويكتب انطلاقاً من هذا الموقف. في تلك اللحظة بالذات يمكن الأدب أن يتجنب التطابق مع الأحداث فقط، إذ إن عليه أن يعمل على السموّ بتلك الأحداث. إن على الكاتب ألا يقيّد نفسه إلى عالم السياسة بل أن يكون أكبر من السياسة». لكن توضيحات مو يان لموقفه من العلاقة بين السياسة والأدب، والزاوية التي ينظر منها الكاتب إلى عالم السياسة والسلطة والرقابة وحرية التعبير، لم توقف الهجوم الشرس الذي شنّته الصحافة الغربية عليه بعد تسلّمه نوبل من ملك السويد، وحضّه الأكاديمية السويدية على عدم الالتفات إلى المواقف السياسية للكتّاب كواحد من معايير منح الجائزة، لأن المعيار الوحيد الذي يمكن الاستناد إليه هو الأدب ولا شيء غير الأدب. دافع عن مو يان الكاتب والروائي الهندي بانكاج ميشرا (مواليد 1969) الذي هاجم النخبة الثقافية الغربية متهماً إياها بعدم إدراك العلاقة الفعلية القائمة بينها وبين المؤسسة السياسية في بلادها، وكون تلك النخبة عاجزة عن اتخاذ مواقف ناقدة للسلطات الغربية كما تفعل عندما تنتقد الدول غير الديموقراطية، أو توجه سهام نقدها الى كاتب مثل مو يان يعيش في ظلال الديكتاتورية الصينية. إن الكاتب الغربي، وفق ميشرا، لا ينتقد سياسة التدخل الأميركية والغربية خارج حدودها، ولا يتحدث عن الجرائم البشعة وقتل الأطفال والمدنيين من خلال إرسال باراك أوباما طائرات بلا طيار تقصف اليمن والصومال وأفغانستان وباكستان. كما أنهم لا ينتقدون الكاتب البريطاني إيان ماك إيوان الذي كان ضيفاً على مائدتي لاورا بوش وشيري بلير، في الوقت الذي تسبب فيه زوجا هاتين المرأتين في قتل عشرات الآلاف من البشر وتشريد الملايين. يقول ميشرا في مقالة نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية: «لم يقابل صول بيللو أي فلسطيني في روايته «الذهاب إلى القدس والعودة منها». وقد عبّر عن إعجابه بإسرائيل بعد عقد كامل من تحولها إلى دولة استعمارية في الضفة الغربية. كما أن بيللو، الذي ينظر إليه في الدوائر الثقافية الإنكليزية والأميركية بوصفه من عظماء الكتاب الذين يمثلون النزعة الإنسانية، امتدح واحداً من الكتب التافهة التي تقول إن الفلسطينيين شعب لم يوجد أبداً». دفاع ميشرا المقيّد عن مو يان، وفهمه الشروط التي يعيشها الكاتب في مجتمعات العالم الثالث وتحت حكم الأنظمة الديكتاتورية، والتي تجعل الكاتب يستعين بالحيلة وبعض الرقابة الذاتية ليستطيع العيش والكتابة، تفتح الباب للنظر إلى كتابات مو يان التي تتضمن نقداً شديد الوضوح للتجربة الصينية منذ بدايات ثورة ماو تسي تونغ الثقافية والتي تسببت في كوارث وجرائم في المجتمع الصيني. إن روايات مو يان، في مجملها، هي إعادة قراءة للتجربة السياسية والاجتماعية والثقافية الصينية المعاصرة. وهي تكشف عن الفساد والبيروقراطية والوحشية التي ميزت تعامل السلطات مع جماهير واسعة من الشعب الصيني. وقد استخدم مو يان، خصوصاً في رواياته «أنشودات الثوم» و «جمهورية الخمر» و «نهود كبيرة وأرداف واسعة» و «الضفدع»، نقداً عميقاً للصين المعاصرة في ظل النظام الشيوعي. في رواياته، التي تَجدِلُ الوصف الواقعي مع الواقعية السحرية وعالم الهلوسة وأحلام اليقظة، يعرض الكاتب الصينيّ المتميز للقسوة والفساد والتهتك التي تميز السلطة الصينية. إنه كاتب شجاع في نصه الروائي والقصصي، حتى لو رفض التوقيع على بيان يطالب الحكومة بالإفراج عن زميله النوبليّ السجين ليو زياباو. إنه يتخفّى في كتابته وراء الشخصيات، لكنه يخشى في حياته الواقعية من بطش السلطة وتضييقها على عيشه وكتابته.