يفتقد الأطراف اللبنانيون خريطة طريق للتعامل مع مرحلة ما بعد تغيير النظام في سورية، على رغم أن معظمهم، سواء أكانوا في الموالاة أم في المعارضة، يعتقدون أنه حتمي، وأنه لم يعد في مقدور النظام الخروج من أزمته واستعادة سيطرته على سورية، وأن الاختلاف يكمن في كيفية حصوله، وهل أن الفرصة ما زالت مواتية أمام الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا للتوصل إلى تسوية، أم ان الباب مفتوح على مزيد من التطورات العسكرية والأمنية التي ستؤدي إلى التغيير في غياب أي رعاية إقليمية ودولية لتأمين انتقال السلطة الذي سيواجه صعوبات؟ وفي هذا السياق، يؤكد مصدر وزاري لبناني مواكب لما تشهده سورية من تأزم سياسي وعسكري، أن المعارضة والموالاة في لبنان لم ترتقيا إلى المستوى المطلوب لجهة التفكير بهدوء في كيفية حماية لبنان من ارتدادات الأزمة السورية وتدارك انعكاساتها السلبية على الوضعين السياسي والأمني، وأن الطرفين يغرقان حالياً في متاهات الأزمة الداخلية التي بلغت ذروتها مع إصرار قوى 14 آذار على رحيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في مقابل اشتراط قوى 8 آذار والأطراف الوسطيين المشاركين في الحكومة ربط رحيلها بالاتفاق أولاً على قانون الانتخاب الجديد، الذي يبدو أن الوصول إليه يواجه عقبات من شأنها التشكيك في إمكان إجراء الانتخابات النيابية في ربيع العام الجديد. ويعتقد المصدر نفسه أن كل طرف يحاول أن يلقي مسؤولية عدم التفاهم على قانون الانتخاب على الآخر لتجنب الدخول في صدام سياسي مع المجتمع الدولي الذي يشدد على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وإذ يؤكد المصدر عينه أن المجتمع الدولي يبدي تفهماً لوجهة نظر رئيس الحكومة، بالاتفاق أولاً على قانون الانتخاب في مقابل التسليم برحيل الحكومة الحالية لمصلحة أخرى حيادية تشرف على إجراء الانتخابات كمدخل لإعادة إنتاج السلطة في لبنان، فإن قيادياً في 14 آذار يتهم البعض في الأكثرية بأنه يريد الإتيان بقانون انتخاب على قياسه وإلا لن يسمح بإتمام الانتخابات، بذريعة أنه يرفض كلياً العودة إلى قانون عام 1960. ويرى القيادي في المعارضة أن توافق «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» على رفض قانون الانتخاب قد لا يكون نهائياً إذا ما أخذ في الاعتبار إصرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري على مراعاة موقف حليفه رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط، لما بينهما من «كيمياء سياسية» مشتركة لا يعرف بها غيرهما. لكن القيادي هذا يعترف بأن المعارضة ما زالت تدرس الخطوط العريضة لخريطة الطريق التي ستتوجه من خلالها، وتحديداً في مرحلة ما بعد إحداث التغيير في سورية، إلى شريكها الآخر في لبنان وتحديداً الشيعة، وهذا ما ينطبق أيضاً على قوى 8 آذار التي تعاني من إرباك يؤجل تفاهمها على رؤية مشتركة في تعاطيها مع المعارضة، بدءاً بالطرف الأقوى فيها، أي تيار «المستقبل». لذلك، فإن المعارضة والموالاة هما «شريكان» بالمعنى السلبي للكلمة في التقصير في بلورة خريطة الطريق لمرحلة ما بعد التغيير الذي سيحصل حتماً في سورية، وهذا ما يستدعي من «المستقبل» قطع الطريق على من يحاول توظيف هذا التغيير في المعادلة السياسية والتشدد في مواجهة أي شكل من أشكال التطرف، كما يتطلب من الشريكين الشيعيين أي «حزب الله» و «أمل»، ولو من موقع الاختلاف مع الآخر، الابتعاد عن أي تفكير يقود إلى الاعتقاد أن أهل السنّة في لبنان يستقوون بالتغيير في سورية للثأر منهما. ويعتقد عدد من المراقبين للتأزم القائم بين السنّة والشيعة، أن المدخل للبدء في حوار صريح وموضوعي يكمن في مدى استعدادهما لتقديم «تنازلات» متبادلة كشرط لإيجاد مساحة سياسية مشتركة تدفع إلى قيام حوار من شأنه أن يبدد الهواجس والمخاوف. ويؤكد هؤلاء أن لا مصلحة للفريقين في تأجيل الحوار وتمديد الفراغ القائم في البلد إلى أمد طويل. ويرون أن الحوار لا يرى النور إذا ما اعتقد البعض في المعارضة أن «حزب الله» سيسلم كل أوراقه ويطلب «اللجوء السياسي» الى المعارضة، كما أن هناك صعوبة في الإعداد له في حال اعتقد الحزب أن الاستقرار في لبنان يستقيم، وأن لديه القدرة على الإمساك بمقاليد السلطة انطلاقاً من تعميم التجربة السابقة الموروثة عن النظام الحالي في سورية في تعاطيه والشأن الداخلي اللبناني. ولا يعني هذا التوصيف، وفق هؤلاء المراقبين، الدعوة الى صفقة سنية - شيعية على حساب الشريك الآخر، المسيحي والدرزي، بمقدار ما أنهم يدركون ضرورة إنهاء الاصطفاف السياسي المنقسم عمودياً في لبنان، وأن للوصول اليه لا بد من السعي الجاد من أجل تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي، لا سيما بين السنّة والشيعة، لأن بقاءه يولد المزيد من التأزم الذي يرتب تداعيات أمنية بسبب التداخل بينهما. ويضيف هؤلاء أن الوضع في سورية بدأ يتغير وأن الفريق المراهن على قدرة النظام السوري على استعادة زمام المبادرة سرعان ما اكتشف أن رهانه لم يكن في محله، ويؤكدون أن رهان المعارضة على سقوط النظام على دفعات لا يعني أنها قادرة على توظيف هذا التغيير والاستقواء به لفرض معادلة سياسية جديدة. وينقل المراقبون عن قياديين في المعارضة أن لا خيار أمامهم سوى فتح حوار مع الشيعة، وأنهم اتخذوا قرارهم في هذا الشأن، وأن البداية ستكون مع الرئيس بري وإنما على قاعدة أن ليست لديهم أوهام من أن الأخير «سيبيع» «حزب الله». ويؤكدون أن الانفتاح على بري ضروري تمهيداً لقيام حوار مع «حزب الله»، ويعزون السبب إلى أن الحوار يجب أن يبدأ في مكان ما، وأن وجوده على رأس السلطة التشريعية يساهم في تفعيل الحوار لاحقاً، إنما على قاعدة إقرار الجميع بتقديم تنازلات متبادلة لمصلحة حماية البلد من ارتدادات الأزمة في سورية. ويسألون إذا ما كان هناك إمكان للتواصل عبر اللجنة النيابية الفرعية المكلفة من اللجان النيابية المشتركة التواصل حول البندين الواردين في مشروع قانون الانتخاب الذي أحالته الحكومة على البرلمان، والمتعلقين بالنظام الانتخابي الجديد وبتقسيم الدوائر الانتخابية. ويكشف هؤلاء أن الوفد النيابي الممثل لقوى 14 آذار والمكلف التواصل مع بري سيزور مجدداً الأخير، وربما هذا الأسبوع، للبحث معه في كيفية تأمين الاستمرارية لهذه اللجنة، بالعودة هذه المرة إلى المحاضر الخاصة باجتماعات اللجان النيابية المشتركة التي تسلمتها من رئيس المجلس. ويلاحظ المراقبون أن اللجنة الفرعية كانت عقدت اجتماعين، الأول في 11 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي والثاني في 18 منه، وتعذر عليها عقد الاجتماع الثالث في 23 من الشهر ذاته، بعد ان اغتيل رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن في 19 تشرين الأول. ويؤكدون أن اغتيال الحسن دفع للاعتقاد بأن مسلسل الاغتيالات عاد مجدداً الى لبنان، وهذا ما تسبب في تعليق اجتماعات اللجنة الفرعية في ضوء المخاوف الأمنية التي أبداها النواب المنتمون الى 14 آذار في اللجنة. ومع ان هؤلاء النواب رأوا أن البديل يكون في عقد الاجتماعات في منزل أحد النواب من 14 آذار، فإن بري الذي أخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار، رأى أن اللجنة يجب أن تنطلق من البرلمان وبعدها يصار الى التفاهم على المكان البديل. إلا أن الخلاف على طبيعة اللجنة الفرعية ودورها كاد يعود بها إلى نقطة الصفر، نظراً إلى أن المعارضة تعتبر أن دورها يقتصر على التشاور والتواصل في مقابل رأي آخر لبري ينطلق فيه من قيام اللجنة باتصالات مباشرة مع الأطراف، ومن أن لا مانع لديه من أن تزور رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مقره في معراب. لكن النواب في 14 آذار الأعضاء في اللجنة، رأوا أن لا ضرورة لهذه الاتصالات طالما أنها تضم ممثلين عن الكتل النيابية الرئيسية التي في وسعها أن تقول ما عندها من خلال ممثلها فيها. وهكذا توقفت اجتماعات اللجنة الفرعية ريثما يتم الاتفاق على آلية عملها، مع أن ممثلي المعارضة فيها رأوا إمكان اعتماد النظام النسبي، شرطَ أن يصار إلى إيجاد حل لمشكلة السلاح، فيما شدد ممثل «جبهة النضال» أكرم شهيب قبل أن يحل مكانه فيها زميله إيلي عون، على ضرورة الحوار، وسأل عن المانع من اعتماد قانون 1960؟ لذلك، يتوقف مصير اللجنة الفرعية على نتائج الاجتماع المرتقب للوفد النيابي للمعارضة مع بري، لعله يقود إلى التفاهم على آلية تعيد إليها الاعتبار، مع أنها تواجه صعوبة في التوصل إلى قواسم مشتركة من شأنها أن تحقق بعض التقدم. وقد تقتصر مهمتها على تأمين حد أدنى من التواصل طالما أن اللجان المشتركة تمضي حالياً إجازة «قسرية» بانتظار معاودة تحريكها في الشهر الأول من العام الجديد، على رغم أن الأمل في هذا الخصوص يتضاءل يوماً بعد يوم.