اتجهت علاقات روسيا مع جارتها جورجيا نحو انفراجة محدودة بعد سنوات من القطيعة الكاملة. وتحدثت موسكو وتبليسي عن لقاء قريب يجمع ديبلوماسيين من الجانبين، سيكون الأول من نوعه منذ نشوب الحرب الروسية – الجورجية صيف العام 2008. لكن خبراء حذروا من «الافراط في التفاؤل» واستبعدوا إختراقاً سريعاً في العلاقات. وأكدت وزيرة الخارجية الجورجية مايا بانجيكيدزيه أمس، توجه البلدين الى فتح قناة حوار بين ديبلوماسيين روس وجورجيين «في مدينة أوروبية هذا الأسبوع»، من دون أن تحدد موعد عقد اللقاء أو جدول أعماله. وأتى حديث الوزيرة بعد مرور يوم واحد، على تصريح نظيرها الروسي سيرغي لافروف عن استعداد بلاده بدء حوار «قريبا» مع المبعوث الجورجي الخاص زوراب أشابدزه الذي تم تعيينه أخيراً، لشؤون العلاقة مع روسيا. وكان أشابدزه قد أعلن في مطلع الشهر الجاري، عن ضرورة إعادة إحياء الحوار بين روسيا وجورجيا من دون أي شروط مسبقة. ويشكل التطور أول مؤشر إلى عزم رئيس الوزراء الجورجي الجديد بيدزين ايفانشفيلي، على مراجعة علاقة بلاده مع الروس، تنفيذاً لوعوده خلال الحملة الانتخابية التي أسفرت عن فوز حزبه بغالبية نيابية قبل شهرين. وكان ايفانشفيلي أعلن منذ تشكيله الحكومة الجديدة أن تطبيع العلاقات مع روسيا إحدى أولوياته. ويسعى الطرفان الى إسدال الستار على الجمود الذي سيطر على علاقات البلدين منذ «حرب الأيام الخمسة» التي أسفرت عن سيطرة روسية على اقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليين وإعلان «استقلالهما» عن جورجيا واعتراف موسكو بهما. وقال لافروف خلال اجتماع الأحد، مع مبعوثي الرئيس الروسي في المناطق الساخنة إن «روسيا تحاول مد يد التعاون الى جورجيا على الصعيد الاقتصادي، وتحديداً في المسائل التي تشكل أهمية خاصة لتبليسي، رغم تمسك جورجيا بما تصفه موسكو «مساراً متشدداً وإنعدام الرغبة في رؤية واقع جديد»، في إشارة إلى ملف استقلال الإقليمين الإنفصاليين عن جورجيا. وعلى رغم أن إعلان الطرفين عن فتح الحوار يعد تطوراً مهماً بعد قطيعة طويلة، فان خبراء سارعوا إلى التحذير من «الافراط في التفاؤل»، كما قال فاديم دوبنوف المحلل السياسي لوكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية الروسية. ويشير خبراء إلى أن موسكو مستعدة خلال الحوار المزمع عقده لمناقشة ملفات حيوية للاقتصاد الجورجي، مثل اعادة اطلاق الرحلات الجوية بين البلدين المتوقفة رسميا منذ العام 2008، وفتح الأسواق الروسية أمام صادرات جورجيا من المواد الغذائية والمشروبات الغازية التي كانت تحظى بقبول واسع في روسيا قبل غيابها عن الأسواق. وتعني هذه الاجراءات اعادة التسهيلات الواسعة التي كانت الجالية الجورجية في روسيا تتمتع بها، ويزيد تعداد أفرادها عن مليون نسمة كانوا يرفدون اقتصاد بلادهم ببلايين الدولارات سنوياً. لكن في مقابل الأبعاد الاقتصادية والتجارية تظل مسألة استقلال الاقليمين عن جورجيا عقدة أساسية تعرقل تطور العلاقات أو تقارب البلدين، واعتبر دوبنوف أن هذا الملف «لن يشهد تطوراً على المدى المنظور» بسبب اصرار تبليسي على اعتبار أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية «اقليمين يخضعان لاحتلال أجنبي»، فيما تؤكد موسكو أن قرارها الاعتراف ب «استقلال الجمهوريتين» نهائي ولا رجعة فيه.