تشهد مصر من السخط الشعبي وارتباكاً في المؤسسات بسبب القرار الذي أصدره الرئيس محمد مرسي أول من أمس برفع الضرائب على الكثير من السلع والخدمات، إذ فوجئ الشعب بالقرارات عبر شاشات التلفزة ونُشرت بتاريخ قديم في صحيفة «الوقائع المصرية» في 6 الجاري، بهدف عدم الطعن فيها طبقاً للإعلان الدستوري السابق والذي ينص على تحصين قرارات الرئيس. وبعد ساعات قليلة قرر الرئيس وقف القانون، مكلفاً الحكومة بأن تجري نقاشاً علنياً يتولاه خبراء متخصصون لمعرفة مدى قبوله لدى الرأي العام، في حين أثار القرار لغطاً في الأوساط السياسية والاقتصادية إذ يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويزيد كلفة معيشة المواطنين. وجاء قرار الإلغاء بعد ساعات قليلة من صدور القانون الذي نص على رفع ضريبة المبيعات على نحو 50 سلعة، من بينها السجائر والجعة والمياه الغازية والمعدنية والقطارات والباصات المكيفة وحديد التسليح وغيرها. واتخذ مرسي قرار إجراء تعديلات على قانون ضرائب الدخل والمبيعات والعقارات والضرائب النوعية، ضمن التزامات حكومية ببرنامج إصلاحي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لاقتراض 4.8 بليون دولار، كما أكدت مصادر حكومية. وكانت السجائر أبرز السلع التي زادت عليها ضريبة المبيعات بنسبة 50 في المئة، والجعة 200 في المئة والمشروبات الكحولية 150 في المئة، وتبغ النرجيلة والدخان وغيرهما 150 في المئة، إضافة إلى فرض ضريبة نسبتها 25 في المئة على المياه الغازية المحلية أو المستوردة. وتضمن القرار تعديلات على قانون ضريبة الدمغة، وفرض ضريبة نسبية على أرصدة التسهيلات الائتمانية والقروض والسلف، وأي تمويل تقدمه المصارف، مقدارها 0.4 في المئة سنوياً، على أن يلتزم المصرف بتسديد 0.1 في المئة على أعلى رصيد مدين كل ربع سنة، وعلى أن يتم التسديد خلال سبعة أيام من نهاية كل ربع سنة، ويتحمل المصرف والزبون الضريبة مناصفة. وتضمنت التعديلات أن تكون الضريبة على الإعلانات 10 في المئة للإعلان حتى مليون جنيه، و15 في المئة للإعلان الذي يراوح بين مليون و25 مليون جنيه، و25 في المئة للإعلانات التي تزيد على 25 مليون جنيه، إضافة إلى ضريبة نوعية على التصاريح والرخص التي تصدر من أي سلطة إدارية، ومنها رخص استغلال مقالع ومحال الملاهي والسينما واستغلال مصنع طوب، بمقدار ألف جنيه سنوياً. وفُرضت ضريبة على الأرباح التي يحققها الأشخاص من كل طرح للأوراق المالية للمرة الأولى في البورصة، على أن تسري هذه الضريبة على الأرباح التي يحققها المقيمون وغير المقيمين في مصر، وتُحسب على أساس الفرق بين سعر الاقتناء، أو القيمة الإسمية في حال التأسيس، وبين سعر الاستحواذ. واعتبر المحاسب ماجد محروس أن «الوضع الاقتصادي في مصر لا يعبر عن حنكة سياسية أو اقتصادية لأن الحكومة تحتاج إلى مخرج لقراراتها التي تعلنها ومن ثم تلغيها»، مؤكداً أن الوضع لا يحتمل إرسال رسالة سلبية للمجتمع الدولي بأن الجهاز الضريبي مستمر في عدم احترام اتفاق منع الازدواج الضريبي الذي وقعته مصر وبقية الدول التي تتعامل من خلالها الشركات الأجنبية. ولفت إلى أن تلك القرارات «تقدم رسالة سلبية عن الاستثمار في مصر في وقت نسعى إلى جذب استثمارات أجنبية». وشدّد على أن «قرار رفع الضرائب صدر بتاريخ قديم، قبل 6 من الشهر الجاري، أي أن القرار محصن ضد الطعن، وأوقف حالياً حتى تمرير الاستفتاء على الدستور الذي يواجه رفضاً شعبياً». ورأى إدوارد ناشد وهو مهندس اتصالات في شركة «أكو»، أن «تلك القرارات تأتي تنفيذاً لشروط صندوق النقد الدولي، وفي وقت لم تعلن الحكومة تلك الشروط، ففوجئنا برفع الدعم عن المحروقات ثم عن الكهرباء والمياه وأخيراً برفع الضرائب على 50 سلعة لتمرير قرض قيمته 4.8 بليون دولار». وأضاف: ما هذا التخبط في إصدار القرارات ثم وقفها، هناك شيء غير مفهوم يدل على عدم وضوح الرؤية بل قد يصل إلى حد محاولة القضاء على المواطنين بتلك السياسات غير المفهومة. وأشار المواطن إبراهيم عبد العال، وهو انتخب مرسي في المرحلتين الانتخابيتين، إلى امتعاضه من سياسات الحكومة التي تقضي على قدرتنا بمجابهة الأوضاع الصعبة التي زادت أخيراً، ولم يعد المواطن العادي يتحملها، بينما قضت الحكومة على المواطن الفقير، متسائلاً: «أين العدالة الاجتماعية التي كانت أبرز مطالب الثورة». ورأت الحكومة «أن تلك القرارات تأتي ضمن برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادي والمالي الذي أعتمد منذ فترة، وليست شروطاً يضعها علينا أحد». وأفاد خبراء اقتصاد بأن هذا القرار سيؤدي إلى ما يسمى تضخم الارتفاع، وزيادة كبيرة في أسعار السلع ويحمل المواطن أعباءً جديدة، مشيرين إلى أن الحكومة تعاني مشكلة عجز في المنظومة الاقتصادية نتيجة توقف قطاعات العمل عن الإنتاج، ولذلك تحاول تعويض العجز عبر فرض ضرائب على الشعب. وأكدوا أن العائد المتوقع لتعديلات ضريبة المبيعات يبلغ نحو 17.5 بليون جنيه (2.8 بليون دولار)، وهو مبلغ زهيد لا يؤثر في سد عجز الموازنة الذي يقترب من 180 بليوناً (29 بليون دولار).