أعلن وزير المال المصري سمير رضوان أمس أن بلاده لن تحتاج لتمويلات من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، على رغم التوصل إلى اتفاق معهما، إذ خفّضت مراجعات الموازنة الجديدة العجز المتوقع. ولفت مستشاره، عبدالفتاح الجبالي، إلى أن القرار جاء «استجابة لضغوط الرأي العام المصري، لتجنب عبء الفوائد وأقساط القروض». ووافق مجلس الوزراء المصري في الأول من حزيران (يونيو) على موازنة السنة المالية 2011 - 2012 التي زادت الإنفاق بمقدار الربع بغرض استحداث وظائف ومساعدة الفقراء بعد الثورة الشعبية التي أطاحت الرئيس حسني مبارك بعد ثلاثة عقود في السلطة. لكن تلك الموازنة عدلت بمسودة جديدة أُعلنت الأربعاء. وقدّر صندوق النقد عجز التمويل المصري الخارجي والمالي بما بين تسعة بلايين دولار و12 بليوناً للسنة المالية 2011 - 2012. وأبلغ رضوان «رويترز» أن عجز 2011 - 2012 في المسودة الأولى للموازنة كان متوقعاً أن يبلغ 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكنّه عُدِّل إلى 8.6 في المئة بعد إجراء حوار وطني وبسبب قلق المجلس العسكري الحاكم إزاء مستويات الديون. وقال: «لذا لا نحتاج للذهاب في هذه المرحلة إلى البنك والصندوق»، مضيفاً أن مصر التي كانت تقترض من صندوق النقد إبان حكم مبارك لا تزال تملك «أفضل العلاقات» مع المؤسستين. وعلى رغم تعديل الموازنة، لا تزال الحكومة تتوقع نمواً في حدود ثلاثة إلى 3.5 في المئة، بما يتماشى مع التكهنات السابقة التي يقول محللون إنها ربما كانت متفائلة. وكانت مصر وافقت هذا الشهر على قرض بثلاثة بلايين دولار لأجل 12 شهراً من صندوق النقد، مؤكدة أن شروطه أخف من المعتاد في قروض كهذه. وعرض الصندوق والبنك إلى جانب عدد من الدول والمؤسسات الأجنبية، مساعدة مصر في تغطية عجز كبير في الموازنة بعد الاضطراب الذي أصاب الاقتصاد في أعقاب الاحتجاجات التي أطاحت حكم مبارك في 11 شباط (فبراير). وعرضت دول خليجية مثل قطر والسعودية تقديم الدعم. وقال رضوان إن قطر قدمت 500 مليون دولار لدعم الموازنة الأسبوع الماضي. وقال «إنها هدية» نافياً وجود أي شروط مرتبطة بالتمويل القطري. وذكر أن السعودية عرضت مبلغاً مماثلاً من قبل. وقال الوزير إن المسودة الأولى للموازنة التي توقعت عجزاً بنحو 170 بليون جنيه مصري (28 بليون دولار) كانت محل نقاش مع النشطاء والكتاب ورجال الأعمال والنقابات والمنظمات غير الحكومية، و «نتيجة للحوار وفي ضوء حرص المجلس العسكري على عدم تحميل الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات ديوناً كبيرة، خُفض العجز إلى 134 بليون جنيه، بما يعادل 8.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي». وأضاف: «النتيجة أننا لا نحتاج تمويلاً خارجياً. سنغطي الجزء الأكبر من مصادر محلية، ولو أننا مضينا في الحزمة الأخرى لاحتجنا إلى (صندوق النقد)»، مشدداً على أن الموازنة الجديدة لن تتراجع عن تعهدات تحقيق العدالة الاجتماعية. وكان المحتاجون الذي تظاهروا ضد مبارك يطالبون بالحريات السياسية وإنهاء ما يرون أنه نظام للحكم يصب في مصلحة النخبة الثرية على حساب الفقراء. وفي شأن خطط الموازنة قال رضوان إن «البرنامج برنامجنا لذا لا توجد شروط (من أطراف أخرى). إنه برنامج مختلف لا أكثر». وقال رداً على سؤال إن كانت مصر ستطرق الأسواق العالمية بإصدار سندات خارجية جديد: «لا أستبعد أي شيء. فور إقرار الموازنة في شكل نهائي سأبدأ النظر في تفاصيل التمويل». وتتوقع الحكومة في أحدث موازنة لها زيادة الإنفاق 14.7 في المئة إلى 490.6 بليون جنيه على مدى 12 شهراً ابتداء من تموز (يوليو)، انخفاضاً من تقدير سابق كان يبلغ 514.5 بليون جنيه عندما أُعلنت مسودة الموازنة لوسائل الإعلام في الأول من حزيران. وقال رضوان إن خفض الموازنة جاء جزئياً من طريق رفع ضريبة الدخل من نسبة موحدة تبلغ 20 في المئة إلى 25 في المئة على الشركات والأفراد الذين يكسبون أكثر من عشرة ملايين جنيه، فيما أي أرباح فوق ذلك الرقم ستدخل في الشريحة الضريبية الجديدة. وأوضح: «تشاورت مع رجال الأعمال وقالوا إنهم مستعدون لدفع ذلك، لهذا السبب لم أرفعها إلى أكثر من 25 في المئة لأنها إذا زادت أكثر من ذلك، فسنعود إلى ما قبل (سنوات) عندما كانت ضريبة الدخل 40 في المئة وكانت حصيلة الضرائب قليلة جداً». وسترتفع ضريبة السجائر إلى 50 في المئة من 40 في المئة. وشرح رضوان: «بدأنا فتح ملف الدعم. نحن لن، وأكرر، لن نمس دعم الغذاء أو وقود الطهي الموجه إلى الفقراء»، مضيفاً أن دعم الوقود سيُخفض للصناعات وغيرها، مشدداً على أن فاتورة الدعم تبلغ نحو 137 بليون جنيه، منها نحو 99 بليون جنيه لدعم الوقود، لكنه لم يذكر إطاراً زمنياً. وقال إن فاتورة دعم الوقود ستنخفض إلى 7.5 بليون جنيه. وفي مسعى لمساعدة الصناعة على التأقلم مع التغيير، قال إن الحكومة ستساعد مصانع الطوب على استخدام الغاز الطبيعي بدلاً من الديزل ثم ترفع دعم الوقود. وقال إن إيرادات إضافية ستتحقق من مراجعة أسعار تصدير الغاز، مضيفاً أنه جرى الاتفاق بالفعل على تعديل الأسعار مع الأردن وإسبانيا. وتصدّر مصر الغاز إلى إسرائيل أيضاً. ونبّه إلى وجوب الحصول على موافقة المجلس العسكري على مسودة الموازنة الجديدة لكنه استبعد أي عراقيل.