وضع الرئيس المصري محمد مرسي نفسه أمام اختبار لشعبيته في الشارع عندما أصر على المضي قدماً في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي سينطلق في الخارج بعد غد، وأصدر إعلاناً دستورياً جديداً خيَّر فيه الناخبين بين مشروع الدستور الجديد الذي يدعمه وجماعته «الإخوان المسلمين» وحلفاؤه من التيار السلفي، أو الشروع في انتخاب جمعية تأسيسية جديدة خلال مدة أقصاها ثلاثة شهور. لكنه سعى إلى التخفيف من غضب معارضيه، معلناً نيته تشكيل لجنة قانونية ستعكف في حال الموافقة على مشروع الدستور على تعديل المواد الخلافية قبل تمريرها عبر البرلمان الجديد. لكن تنازلات مرسي الطفيفة لم تلب مطالب قوى المعارضة الرئيسة التي أصرت على الوصول إلى دستور توافقي قبل عرضه على الاستفتاء. واعتبر منسق «جبهة الإنقاذ الوطني» محمد البرادعي أن معركة الدستور «ليست حول من في السلطة وإنما حول شكل الدولة وحرياتنا وكرامتنا... علينا أن نسأل أنفسنا هل نريد أن ننظر إلى الأمام أم إلى الوراء؟»، فيما دعا القيادي في الجبهة مؤسس «التيار الشعبي» حمدين صباحي إلى وقف الاستفتاء فوراً. وتوقعت «حركة 6 أبريل» أن يلقي مرسي مصير سلفه حسني مبارك. وكان مرسي ألغى الإعلان الدستوري الذي أصدره في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، في ما بدا محاولة لاسترضاء القضاة وتأمين إشرافهم على الاستفتاء على الدستور. لكنه أبقى آثاره وبينها الدعوة إلى الاستفتاء وتغيير النائب العام. وأعلن أمس الأمين العام للجنة القضائية المشرفة عن الانتخابات القاضي زغلول البلشي تراجعه عن قراره السابق بالاستقالة من منصبه، مشيراً إلى أنه «بزوال أسباب الاستقالة التي تقدم بها وإلغاء الإعلان الدستوري، أرى أن لا مبرر للاعتذار عن عدم ممارسة عملي»، ويعقد نادي قضاة مصر اجتماعاً غداً للبحث في موقف القضاة من الإشراف على الاستفتاء. ومن المتوقع أن يصر النادي على موقفه السابق برفض الإشراف على الاقتراع لا سيما أن الإعلان الدستوري الجديد أكد بقاء ما ترتب على الإعلان الدستوري السابق من آثار، في إشارة إلى تعيين نائب عام جديد، وهو ما كان يرفضه في شدة نادي القضاة، فيما أصر عشرات الديبلوماسيين على رفضهم الإشراف على استفتاء المغتربين الذي سينطلق بعد غد. واستبق نائب الرئيس محمود مكي قرار نادي القضاة بتأكيد أن «قضاة مصر الشرفاء لا يتخلون عن نداء الوطن». وقال في مؤتمر صحافي عقد مساء أول من أمس إن «اللجنة العليا للانتخابات اتخذت كل الإجراءات لتفادي المشاكل التي قد تعيق إجراء الاستفتاء... القضاة لن يتخلوا عن شعبهم أو يخذلوه، وواجبهم يحتم عليهم عدم الوقوف عقبة أمام مصر، واللجنة العليا للانتخابات هي المسؤولة عن تدبير العدد الكافي من القضاة للإشراف على الانتخابات. وأعتقد أن عدد القضاة كاف ويزيد على الحاجة». لكنه عاد وأشار إلى أن اللجنة القضائية التي يترأسها رئيس محكمة استئناف القاهرة «من حقها اتخاذ أي قرارات لتأمين إشراف قضائي كامل، سواء عبر دمج لجان أو تمرير الاستفتاء على مراحل عدة». وفي مسعى من الرئاسة إلى تطمين المعارضة إلى شفافية عملية الاقتراع، نص الإعلان الدستوري الجديد على «إجراء عملية الفرز وإعلان النتائج في اللجان الفرعية»، فيما أكد مكي أن قوات الجيش ستقوم بمعاونة الشرطة في تأمين عملية الاقتراع. واجتمعت مساء أمس جبهة الإنقاذ الوطني التي تضم أبرز قادة المعارضة في مصر، لتحديد موقفها من الاستفتاء على الدستور الجديد، وأفيد بأن النقاشات دارت حول مقاطعة الاستفتاء أو الذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت ضد مشروع الدستور. وقبل التئام الاجتماع، أصدر «التيار الشعبي» المنضوي في الجبهة بياناً أعلن فيه رفضه «لمحاولات تمرير دستور لا يعبر إلا عن فصيل واحد»، داعياً إلى وقف الدعوة إلى الاستفتاء فوراً «كسبيل وحيد وأخير لتجاوز الأزمة الراهنة». وحذر من «استمرار التباطؤ من جانب السلطة في الاستجابة للإرادة الشعبية والوطنية»، مطالباً ب «تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين أو حلها، فلم يعد ممكناً قبول استمرار الوضع الراهن للجماعة التي لا يحكمها قانون ولا تخضع للدولة بل وتنصب نفسها محل مؤسسات الدولة». وأشار إلى أن «إرجاء موعد الاستفتاء ممكن رغم ما يتردد من بعض أطراف السلطة والمؤيدين لها أن ذلك الموعد خاضع للإعلان الدستوري ونص مادته 60 التي كانت محلاً للاستفتاء في 19 آذار (مارس) وهو منطق مغلوط، لأن هذه المادة ذاتها خضعت للتعديل بقيام مرسي بمد فترة عمل الجمعية التأسيسية لمدة شهرين عندما أراد ذلك»، داعياً الرئيس إلى «الالتزام بما تعهد به من عدم طرح الاستفتاء على الدستور إلا بالتوافق بين الجميع». وأكد أن «دماء الشهداء والمصابين والجرحى التي سالت في شوارع مصر بدءاً من أحداث محمد محمود الثانية ووصولاً إلى مجزرة قصر الاتحادية... مسؤوليتها معلقة في رقبة الرئيس وجماعته وحزبه». ورفض الحوار مع الرئاسة «مع إسالة الدماء، ولا حوار من أجل المراوغة والتلاعب والالتفاف ولا حوار إلا بالاستجابة أولا لما طالبت ونادت به جماهير الثورة في الميادين والشوارع». وحذر من «استمرار الأجواء الحالية التي تسود فيها لغة التخوين والتهديد والإرهاب وقمع المعارضين والتلويح بتلفيق القضايا لهم أو تصفيتهم جسدياً أو منعهم من التعبير عن آرائهم»، مشيراً إلى أن «الشعب سيستمر في النضال ولن يخضع لابتزاز التخويف والتهديد». وعلى النهج نفسه سارت «حركة 6 أبريل» التي توقعت في بيان لها أن تمضي قدماً في التصعيد «وبالتأكيد سيمضي مرسي قدماً في العناد وعليه سيلقى مصير مبارك نفسه»، كما أعلنت رفضها «تمرير مشروع الدستور الإخواني». وأمام إصرار قوى المعارضة رفض إجراء الاستفتاء في موعده، دافعت الرئاسة عن إعلان مرسي الذي اعتبر الناطق باسم الرئاسة ياسر علي أنه «انحاز لإرادة الشعب صاحب السلطة والشرعية»، داعياً إلى «أن يخضع الجميع للإرادة الشعبية أياً كان اختيارها». وأكدت جماعة «الإخوان» أن «الحوار هو الوسيلة الوحيدة والمتحضرة لحل المشاكل والوصول إلى نتائج مرضية تحقق مصالح الشعب والوطن»، وشددت على «ضرورة أن يحترم الجميع الإرادة الشعبية ويلتزم بقواعد الديموقراطية، فالشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات، وهو الحكم بين المختلفين السياسيين، لذلك ينبغي الذهاب إلى صناديق الاستفتاء للإدلاء بالرأي في شأن مشروع الدستور الجديد، تمهيداً للذهاب إلى الانتخابات البرلمانية من أجل تحقيق الاستقرار». وأعلنت الجماعة في بيان لها «أننا نقبل بنتيجة الاستفتاء أيا كانت، ونطلب من الآخرين أن يعلنوا موافقتهم على نتيجة الاستفتاء، فهذه هي أولى أساسات الديموقراطية واحترام الشعب». من جانبه، أكد وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي أن «القوات المسلحة هي ملك للشعب وهي جزء من الدولة المصرية تضع مصلحة الوطن وأمنة القومي فوق كل اعتبار، وأنها تؤدي مهامها الوطنية بكل نزاهة وحيادية ولا تنحاز إلى أي طرف أو فصيل سوى إلى الشعب المصري»، مشدداً على «ضرورة تكاتف الجميع وأن يكونوا يداً واحدة للحفاظ على وحدة الوطن واستقراره ومواجهة التحديات التي تهدد الأمن القومي».