كرست الرئاسة المصرية أمس انسداد أفق الحل السياسي للأزمة المصرية، فأبدت تمسكها في شدة بالاستفتاء على الدستور الذي ينطلق باقتراع المغتربين السبت المقبل، ورفضت إلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، لكنها دعت إلى حوار «من دون شروط»، فيما فتحت النيابة تحقيقات مع رموز المعارضة بتهمة «الانقلاب على الحكم»، وهو الأمر الذي أشعل غضب المعارضة ويتوقع أن يؤجج الاحتجاجات في الشارع. وكان نائب الرئيس محمود مكي خرج أمس في مؤتمر صحافي ليتحدث مطولاً عن الأزمة السياسية المتفجرة من دون أن يبدي مرونة تجاه مطالب المعارضة، فشدد على ضرورة إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور في موعده، مشدداً على أنه «لا قوة على سطح الأرض يمكنها وقف الاحتكام إلى إرادة الشعب»، كما دافع عن الإعلان الدستوري متجاهلاً أسئلة الصحافيين عن أمكان تجميده أو إجراء تعديلات على نصوصه. وانتقد ضمناً القوى السياسية، مؤكداً أن الخلافات لن يحسمها «تبادل الحشود»، ورأى أن «الصراع السياسي يدفع ثمنه 80 في المئة من الشعب المصري الذي لا يشارك في هذا الصراع ولا تهمه أزمة الدستور»، كما رفض «إملاء الشروط»، وقال: «لا يمكن لأي طرف إملاء شروطه على طرف آخر... دائماً لا يوجد سبيل سوى الحوار، ويجب أن يتنازل الجميع». ورأى أن «الفيصل هو الاحتكام إلى صندوق الاستفتاء... نسعى إلى التعرف إلى إرادة الناخبين». ودافع عن مرسي معتبراً أن المقارنة بينه وبين سلفه حسني مبارك «ظلم بيّن»، كما اعتبر أن المطالبة برحيل مرسي «تحدٍ لإرادة 12 مليون مصري على الأقل». وقال إن «من يتصور أنه يستطيع هدم الشرعية لا يضمن ما يحصل غداً». واقترح إجراء تعديلات على الدستور عقب الاستفتاء عليه، لكنه شدد على أن الاقتراح لا علاقة له بالرئاسة، مشيراً إلى أنه «في حال تم التوصل إلى توافق على المواد المختلف عليها في الدستور يتم استصدار وثيقة ملزمة للأحزاب بحيث يتم اتباع آليات تعديل الدستور، بأن يتبنى الاقتراح بالتعديل خمس أعضاء البرلمان وتوافق عليه الغالبية قبل تمرير التعديلات باستفتاء جديد». لكن مكي حرص على تأكيد أن تلك المبادرة هي «اقتراحات شخصية لم تعرض على الرئاسة»، وان تعهد بأن يتبناها الرئيس في حال وافقت عليها القوى السياسية، داعياً المعارضة إلى «تقديم تصوراتها للخروج من الأزمة». وكانت «جبهة الإنقاذ الوطني» أمهلت الرئيس حتى غد الجمعة للاستجابة إلى مطالب المتظاهرين بإلغاء الإعلان الدستوري والاستفتاء على الدستور. وقالت الجبهة التي تضم أبرز قوى المعارضة في بيان أصدرته مساء أول من أمس بعد تظاهرات حاشدة أمام قصر الرئاسة وفي محافظات عدة، إن «الشعب المصري حقق بملايينه الحاشدة أمام قصر الاتحادية وفي ميدان وميادين التحرير في كل محافظات مصر انتصاراً كبيراً على محاولة الرئيس وجماعته شق الصفوف إلى قسمين ومحاولته تفكيك مؤسسات الدولة المصرية الراسخة... وأكد أن مصر وشعبها أكبر من كل جماعة وأكبر من كل تيار». واعتبرت التظاهرات «إعلاناً عن الموجة الثانية والعالية والحاسمة إن شاء الله للثورة المصرية، إذ أثبت الشعب بمسيراته المتواصلة من ميادين مصر كافة وأمام قصر الرئاسة أنه مستعد لدفع ثمن التغيير الذي دعا إليه في ثورة يناير والتصدي بحسم لمحاولة خلق ديكتاتور جديد يؤسس له مشروع الدستور المرفوض شعبياً». ودعت إلى «درء مخاطر الفتنة التي يدفع الرئيس البلاد إليها ويتحمل مسؤوليتها شخصياً» عبر اتخاذ إجراءات «فوراً ومن دون إبطاء»، بينها «إلغاء الإعلان الدستوري الذي أهدر استقلال القضاء وحقوق الإنسان، وإلغاء الاستفتاء على مشروع الدستور الباطل، وتشكيل لجنة تمثل كل فئات الشعب لصياغة مشروع دستور في إطار حوار وطني على أن يكون الشعب طرفاً أصيلاً فيه». وبالتوازي مع تصريحات نائب الرئيس، فتح النائب العام طلعت عبد الله الذي عينه مرسي أخيراً تحقيقات ضد كل معارضي الرئيس، فكلف المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا تامر الفرجاني بالتحقيق في بلاغات تتهم البرادعي وموسي وحمدين صباحي ورئيس حزب «الوفد» السيد البدوي، ب «حشد المواطنين للانقلاب على الحكم». كما طلب من وزير العدل أحمد مكي انتداب قاضٍ للتحقيق مع رئيس نادي القضاة أحمد الزند بتهمة «الإضرار بمصالح المواطنين وتأجيج الاحتقان بين أطياف الشعب»، على خلفية رفض النادي الإشراف على الاستفتاء وتلويحه بتعليق العمل في المحاكم احتجاجاً. وبدا واضحاً أن النظام ماض في خطة تمرير مشروعه الدستور غير عابئ بموجة الاحتجاجات العنيفة. وشكلت اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء برئاسة سمير أبو المعاطي الأمانة العامة للجنة برئاسة رئيس إدارة التفتيش القضائي في وزارة العدل زغلول البلشي، فيما التقت اللجنة أمس مرسي بكامل تشكيلها لوضع الترتيبات اللازمة لإجراء الاستفتاء، وكلفت وزارة الداخلية بمعاينة مقار لجان الاقتراع للتأكد من صلاحيتها وملاءمتها. وقال أبو المعاطي إن «عملية الاستفتاء ستجري اعتماداً على قاعدة بيانات الناخبين الموجودة لدى اللجنة والتي جرى آخر تعديل عليها نهاية الشهر الماضي، وقبل صدور قرار الرئيس بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء». وأضاف أن تصويت المصريين في الخارج «سيتم في المواعيد المقررة التي حددتها اللجنة سلفاً، ما عدا في سورية التي أفادت وزارة الخارجية المصرية بأن هناك صعوبات ومعوقات يتعذر معها تصويت المصريين المقيمين هناك». وفي مواجهة تمدد رفض الإشراف على الاستفتاء بين صفوف القضاة، بعث النائب العام بمذكرة مكتوبة إلى كل أعضاء النيابة العامة تفيد بأنه «لن يتم الاعتداد باستمارات الاستبيان التي وزعت لإبداء الرغبة في المشاركة أو عدم المشاركة في الإشراف على الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد... وعلى من يريدون الاعتذار عن عدم المشاركة إرسال طلبات مكتوبة، كل عن نفسه بصفة مستقلة» خلال مهلة محددة وإلا اعتبر انهم موافقون. وكانت تلك الاستبيانات كشفت أن غالبية كبيرة من القضاة ترفض الإشراف على الاقتراع. وأعلن مجلس إدارة نادي مستشاري هيئة النيابة الإدارية رفض الجمعية العمومية للنادي الإشراف على الاستفتاء. وقال رئيس النادي نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية عبدالله قنديل في بيان تلاه خلال مؤتمر صحافي عقده أمس، إن «القرار جاء في ضوء تفويض الجمعية العمومية لمجلس إدارة نادي مستشاري النيابة الإدارية لاتخاذ ما يلزم في شأن مسألة الإشراف أو عدم الإشراف على استفتاء الدستور، وبعد استطلاع آراء أندية النيابة الإدارية في الأقاليم على مستوى الجمهورية». وأشار إلى أن «مستشاري النيابة الإدارية لن يشرفوا على الاستفتاء على مشروع الدستور إلا بعد تحقيق شرطين أساسيين يتمثلان في إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره الرئيس أخيراً، وأن يكون الإشراف القضائي على الاستفتاء من كل مفردات منظومة القضاء في مصر». وأكد «الرفض المطلق للإعلان الدستوري وما يرتبط به من قرارات وقوانين فيما عدا القرار الخاص بصرف المستحقات المالية للمتضررين والمصابين خلال ثورة 25 يناير، حرصاً على حقوق هؤلاء الذي كانوا وقوداً للثورة».