في وقت حددت السلطات المصرية السبت المقبل موعداً لبدء تصويت المصريين في الخارج على مسودة الدستور، كرس تباين مواقف الهيئات القضائية من الإشراف على الاستفتاء المقرر داخل البلاد منتصف الشهر الجاري، انقسام القضاة، إذ وافق «مجلس القضاء الأعلى» (الجهة التنفيذية المسؤولة عن شؤون القضاة) على الإشراف على الاستفتاء، متجاهلاً رفض «نادي قضاة مصر» (الكيان النقابي للقضاة). وبدأت أمس اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء عملها، وأفيد بأنها ستجتمع «خلال ساعات». لكن دعوة مجلس القضاء الأعلى القضاة إلى الإشراف غير ملزمة، خصوصاً في ضوء القرار الأخير للجمعيات العمومية للمحاكم. وأكد قضاة ل «الحياة» أن غالبية المحاكم ستعقد جمعيات عمومية للبحث في الأمر خلال اليومين المقبلين. وأكد أحدهم أن «قطاعات واسعة في صفوف القضاة ستلبي توصيات نادي القضاة بالمقاطعة». وكان رئيس نادي القضاة أحمد الزند اعلن في مؤتمر صحافي عقده مساء أول من أمس أنه «تم الاتفاق بين كل قضاة مصر وأندية قضاة الأقاليم في ختام اجتماعهم على عدم الإشراف على الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد للبلاد ومقاطعته». لكن بياناً صادراً عن الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى محمد عيد محجوب قال أمس إن «المجلس قرر الموافقة على ما انتهت إليه أمانة المجلس بندب القضاة وأعضاء النيابة العامة للإشراف في لجان المحافظات واللجان العامة والفرعية على الاستفتاء الذي سيجرى منتصف الشهر الجاري على مسودة مشروع دستور». وكان الناطق باسم رئاسة الجمهورية ياسر علي استبق بيان مجلس القضاء وتحدث عن «بارقة أمل كبيرة في إشراف القضاة على الاستفتاء». ونقل عن نائب الرئيس محمود مكي تأكيده أن «القضاء هو الذي سيشرف على الاستفتاء، ولا بديل عن القضاء». وبدا واضحاً أن جماعة «الإخوان المسلمين» تجاهد لإضفاء المشروعية على مشروع الدستور الجديد والرد على مقاطعة غالبية القوى السياسية، فحشدت أمس المحسوبين عليها في النقابات المهنية لتأكيد تأييدهم للدستور، كما كثفت مؤتمراتها الشعبية أملاً بمشاركة كبيرة. واعتبرت وزارة الأوقاف التي يقودها وزير من الجماعة أمس أن المشاركة في الاستفتاء «واجب ديني». في المقابل، حذر القيادي في «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارض البارز محمد البرادعي من أنه «في وجود رئيس محصن له صلاحيات مطلقة، وغياب سلطة قضائية، ومشروع دستور يؤسس للاستبداد، يكون الاحتكام إلى الصندوق خديعة فاقدة للشرعية وديموقراطية زائفة». وحددت وزارة الخارجية السبت المقبل لبدء الاستفتاء على الدستور الجديد في سفارات مصر و11 قنصلية رئيسة. ونقلت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية عن الناطق باسم الوزارة عمرو رشدي أن «اللجنة العليا للانتخابات ستتيح على موقعها الإلكتروني بطاقات الاقتراع للمواطنين الذين سبق لهم التسجيل للتصويت في الخارج خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية». وأوضح أن «السفارات والقنصليات ستتبع نظام التصويت نفسه الذي جرى اتباعه في تلك الانتخابات إذ يمكن للمواطن إرسال أوراق الاقتراع بالبريد أو تسليمها باليد في مظروف مغلق ويتعين أن تتضمن في الحالتين صورة مستند يثبت إقامته في الدولة التي يقترع فيها، إضافة إلى صورة بطاقة الرقم القومي أو صورة جواز السفر المميكن». وأضاف أن الوزارة قررت «مد ساعات العمل في سفارات وقنصليات مصر المشاركة في الاستفتاء من الثامنة صباحاً إلى الثامنة مساء حتى انتهاء التصويت لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد ممكن من المواطنين المغتربين للمشاركة في الاقتراع». واعترضت مجموعات مصرية في الخارج على القرار، خصوصاً أنه لا يفتح الباب لتسجيل الناخبين المغتربين، وقرر بعضها تنظيم تظاهرات السبت المقبل أمام السفارات احتجاجاً على إجراء الاستفتاء. وتحتجب 11 صحيفة مستقلة وخاصة وحزبية اليوم عن الصدور كما ستتوقف قنوات تلفزيونية خاصة اليوم عن البث احتجاجاً على تقليص الحريات الصحافية في مشروع الدستور الجديد. واحتجت أمس صحف ضد تمرير الدستور والإعلان الدستوري الذي يمنح الرئيس محمد مرسي صلاحيات مطلقة ويلغي رقابة القضاء على قراراته. وصدرت صحف «الوطن» و «المصري اليوم» و «الوفد» و «التحرير» صفحاتها الأولى بعبارة «لا للديكتاتورية» باللون الأحمر ونشرت رسماً موحداً لإنسان من أوراق الصحف مكبل في زنزانة مظلمة مصحوباً بعبارة «لا لدستور يلغي الحقوق ويكبل الحريات». ووصلت ردود الأفعال الإعلامية المحتجة على تمرير الدستور إلى التلفزيون الرسمي، فقالت المذيعة بثينة كامل أثناء تقديمها نشرة أخبار: «والآن مع النشرة الإخوانية»، ثم خرجت بعدها بساعات المذيعة هالة فهمي لتشن هجوماً عنيفاً على الهواء مباشرة على السياسات الإعلامية التي تتبعها جماعة «الإخوان»، قبل قطع مسؤولي التلفزيون الرسمي بث برنامجها. وقالت فهمي التي وضعت أمامها «كفنها»: «لسنا أغلى من شهداء ورد الجناين. ولا يستقيم أن نستفتى على دستور للعبيد». إلى ذلك، كشف الأزهر في بيان أمس جهوداً يبذلها لطرح مبادرة جديدة لإنهاء الانقسام السياسي في شأن الإعلان الدستوري ومشروع الدستور الجديد. لكنه لم يوضح تفاصيل المبادرة ولا موعد طرحها، مكتفياً بالإشارة إلى «إجراء اتصالات مع كل الأطراف المعنية لتفعيل هذه المبادرة في أقرب وقت ممكن». وأضاف البيان أن «المبادرة تركز على سبل الخروج من حال الاستقطاب الحاد بين القوى السياسية في الشارع المصري حتى تتحقق أمنيات الشعب في الاستقرار وبناء الدولة الوطنية الديموقراطية الدستورية الحديثة التي يكون المواطنون جميعاً فيها سواء أمام القانون من دون تمييزٍ بينهم لأي سبب كان».