تباينت قراءة مراقبين في إسرائيل لقرار رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو إرجاء الاجتماع الأسبوعي لحكومته أمس، للأسبوع الثاني على التوالي وللمرة الثالثة منذ انتهاء الحرب. وبينما بررتها أوساطه القريبة بعدم توافقه مع شريكه الأبرز في الائتلاف الحكومي، زعيم حزب «يش عتيد» (هناك مستقبل) الوسطي، وزير المال يئير لبيد على بنود في الموازنة العامة للعام المقبل المفترض أن تكون المسألة الرئيسية في مداولات الحكومة، قالت أوساط وزير المال إن نتانياهو يفتعل أزمة مع لبيد ممهداً لتبكير الانتخابات. في المقابل، قالت أوساط سياسية ليس لها شأن في هذا الصراع، أن نتانياهو أرجأ اجتماع حكومته لتفادي مناقشة نتائج الحرب على قطاع غزة، والتي لا تروق لعدد من الوزراء وتسببت في شرخ بين نتانياهو وعدد كبير من وزرائه «بلغت درجة انعدام الثقة»، وفق المعلق في الشؤون الحزبية في الإذاعة العامة. ومنذ أيام انتشرت رائحة قوية لانتخابات عامة مبكرة في إسرائيل قد تحصل العام المقبل، علماً أن موعدها الرسمي المقرر هو عام 2017. وعلِق في أذهان الساحة الحزبية تصريح زعيم «البيت اليهودي» المتطرف، وزير الاقتصاد نفتالي بينيت الأسبوع الماضي، حين برر استعجاله بإجراء الانتخابات الداخلية في الحزب التي توّجَته «زعيماً أوحد»، بأنه يجب الاستعداد لانتخابات برلمانية بعد الأعياد (اليهودية التي تنتهي منتصف الشهر المقبل). واشتدت الرائحة في اليومين الأخيرين بذريعة الخلاف بين نتانياهو ولبيد على الموازنة، وهو ما استغربه محلل الشؤون الحزبية في الإذاعة العامة عندما أشار، معتمداً على الأرقام، إلى أن الخلافات ليست كبيرة، مضيفاً أن الأزمة الحقيقية قد تكون أن نتانياهو لم يعد يطيق عدداً من وزرائه، بينهم لبيد، في أعقاب انتقاداتهم إدارته الحرب على القطاع ووقفها من دون إحراز نتائج سياسية تصب في مصلحة إسرائيل. ويبرر المعلقون الذين يدعمون فكرة أن نتانياهو معني بتبكير الانتخابات، بأنه يهدف إلى قطع الطريق على ظهور منافس له داخل حزبه قادر على تهديد زعامته للحزب، فيما يرى آخرون أنه قد يفضل إحداث تغييرات في التشكيلة الحكومية، مثل ضم الأحزاب الدينية المتزمتة إليها بدلاً من حزب لبيد، على تبكير انتخابات تقول استطلاعات الرأي إنها لن تغير كثيراً في الخريطة الحزبية. لكن الشريك الثاني في الائتلاف زعيم «إسرائيل بيتنا» العلماني المتطرف وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان يعارض إشراك المتزمتين الدينيين في الحكومة. ونقلت الصحف عن أوساط قريبة من نتانياهو أنه سيحسم موقفه من تبكير الانتخابات من عدمه خلال الأعياد اليهودية في الأسابيع الثلاثة المقبلة، وقبل أن يستأنف الكنيست دورته الشتوية أواخر الشهر المقبل. ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول كبير في الائتلاف الحكومي تقديره بأنه على خلفية الخلاف على موازنة الدولة والعملية السياسية، فإن احتمالات تبكير الانتخابات هي 50:50. ونفى نائب وزير الخارجية تساحي هنغبي، وهو من أكثر القريبين من رئيس الحكومة، أن تكون لدى نتانياهو رغبة في تبكير الانتخابات، متهماً وزير المال بافتعال أزمة لتبرير الانسحاب من الحكومة أو التحرر من منصبه بداعي أن هذا المنصب كلّفه تراجع شعبيته وشعبية حزبه، وعليه فإنه يبحث عن ذرائع للانسحاب من الحكومة. ورد زعيم كتلة «يش عتيد» النائب عوفر شيلح بادعاء مماثل بأن سلوك نتانياهو يؤشر إلى أن الانتخابات تقترب، وأنه (نتانياهو) دخل في مواجهة مع وزير المال، على رغم إدراكه أن الأخير لن يتزحزح عن مواقفه. وطبقاً لوسائل الإعلام، فإن لبيد يعارض موقف نتانياهو المؤيد زيادة مشروع موازنة الدفاع بحوالى 3 بلايين دولار ويحصرها في أقل من نصف هذا المبلغ بداعي وجوب زيادة موازنات وزارات أخرى. كما أنهما مختلفان على زيادة العجز في الموازنة، إذ يبرر لبيد موقفه الداعي إلى رفع العجز إلى نسبة 3.2 في المئة برفضه فرض ضرائب جديدة في ظل التباطؤ الحاصل في النمو الاقتصادي. وكان مفترضاً أن يجتمع نتانياهو ولبيد مساء أمس في محاولة للتوصل إلى توافق، وسط تحذيرات مسؤولين في وزارة المال بأن التأخير على المصادقة على موازنة العام المقبل المفترض إقرارها حتى موعد أقصاه اليوم الأخير من هذا العام، قد يضطر الحكومة إلى اعتماد موازنة عام 2014، ما سيحول دون زيادة موازنة الأمن بحوالى ثلاثة بلايين دولار لتغطية تكلفة الحرب الأخيرة على غزة. وقال بيان صادر عن وزارة المال إن لبيد سيعرض على نتانياهو مسودة الموازنة العامة. وكانت استطلاعات الرأي الأخيرة تنبأت بأنه لو أجريت الانتخابات العامة اليوم لعزز تكتل أحزاب اليمين في الكنيست تمثيله بمقعدين أو ثلاثة، وحاز غالبية مطلقة من المقاعد (69 - 70 من مجموع 120). كما أكدت أن لا منافس لنتانياهو على منصب رئيس الحكومة، على رغم تراجع شعبيته بعد الحرب على القطاع، والادعاءات بأنها لم تحقق ما طمح إليه الإسرائيليون، إذ رأى 42 في المئة أن نتانياهو هو الشخصية الأنسب لمنصب رئيس الحكومة، تلاه زعيم «العمل» المعارض اسحق هرتسوغ بفارق شاسع (فقط 15 في المئة). ورأى أحد المعلقين أن نتانياهو الذي يقارن نفسه بالزعيم البريطاني ونستون تشرتشل، يدرك هذه الحقيقة، واعتماداً عليها ستقوم حملته الدعائية على الترويج بأن الواقع الذي تعيشه إسرائيل اليوم هو «قصة نجاح» بفضل وجوده على رأس الهرم، وأن رسالته الواضحة للإسرائيليين ستقول ثلاث كلمات: «أنا الوحيد القادر»، متوقعاً أن تلقى هذه الرسالة القبول عند غالبية الإسرائيليين، ليس لاعتقادها بأن نتانياهو هو حقاً الوحيد القادر، بل لإدراكها أن الآخرين ليسوا قادرين على إدارة دفة الأمور.