جاء انعقاد الاجتماع الوزاري الرابع لوزراء مياه دول حوض النيل الشرقي (مصر، السودان، أثيوبيا) الذي عقد في الخرطوم أخيراً، كأحد ثمار مشاركة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في القمة الأفريقية التي عقدت في مالابو، عاصمة غينيا الإستوائية، في نهاية حزيران (يونيو) الماضي حيث اتفق مع رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام ديسالين على استئناف التفاوض حول سد النهضة على المستوى الوزاري. وكان شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي شهد اجتماعاً على المستوى نفسه لدرس سبل تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدوليين والتي تضمنت إجراء دراستين تتعلق أولاهما بالموارد المائية، والأخرى تهتم بدراسة الآثار البيئية والإجتماعية والإقتصادية لسد النهضة على دولتي المصب (مصر والسودان). وتلى ذلك الاجتماع، اجتماعان آخران كان آخرهما في كانون الثاني (يناير) الماضي، من دون التوصل إلى نتائج إيجابية. وخلال الاجتماع الأول أبدى الجانب المصري استعداده للمشاركة في تنفيذ وإدارة سد النهضة حال وجود ضمانات بعدم الإضرار بمصالحه المائية، إلا أن الجانب الأثيوبي رفض ذلك. وفشل الاجتماع نفسه في التوافق حول كيفية تنفيذ توصيات اللجنة الدولية، فجرى الاتفاق على جولة أخرى عقدت يومي 8 و9 كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وخلال تلك الجولة طرح الجانب المصري تشكيل فريق يضم خبراء دوليين لتنفيذ التوصيات سالفة الذكر، وقيام الجانب الأثيوبي بإيقاف العمل بمشروع السد لحين انتهاء الدراسات المطلوبة. وقبل الجانب الأثيوبي تشكيل الفريق المشار إليه مع رفض وجود خبراء أجانب ضمن أعضائه وأن تكون مهمته المتابعة وليس التنفيذ. ورفضت أثيوبيا أيضاً طلب مصر إيقاف تنفيذ المشروع لحين الانتهاء من الدراسات المطلوبة، وهنا لعب الوفد السوداني دور الوسيط، فاقترح تشكيل فريق من خبراء محليين، مع إرجاء مناقشة الاستعانة بخبراء أجانب إلى جلسة مفاوضات أخرى. وانتهى الاجتماع بالاتفاق على انعقاد جولة أخرى في الخرطوم، بعد رفض مصر عرض أثيوبيا استضافة تلك الجولة، يومي 3 و 4 كانون الثاني (يناير) الماضي. وخلال تلك الجولة تركز الطرح المصري في نقطتين رئيسيتين، تمثلت الأولى في المطالبة بأن تضم اللجنة المشكلة لمتابعة تنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية بجانب الخبراء المحليين خبراء أجانب للفصل في أي خلاف. أما الثانية فكانت مطالبتها لأثيوبيا بتوفير الضمانات اللازمة لدولتي المصب تجاه أي آثار سلبية من خلال ورقة مبادئ لتعزيز الثقة بين الدول الثلاث. وقوبل الطرح المصري برفض أثيوبيا وجود خبراء أجانب، ومناقشة ورقة بناء الثقة المصرية. ولم يفلح الوسيط السوداني في تقريب وجهات النظر، وهكذا فشلت تلك الجولة، وانتهت من دون تحديد موعد جولة أخرى للتفاوض، ومن دون بيان ختامي. ومن ثم توقفت الاجتماعات لسبعة أشهر، إلى أن جاء الاجتماع الوزاري الرابع خلال شهر آب (أغسطس) الماضي ليحرك المياه الراكدة على صعيد تنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية لدراسة آثار سد النهضة على دولتي المصب. كما جاءت نتائج تلك الجولة لتعكس الأجواء الإيجابية التي سادت الاجتماع، إذ تضمنت الاتفاق على التضامن بين الدول الثلاث لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدوليين، بتكوين لجنة من الخبراء المحليين من الدول الثلاث لتنفيذ الدراسات المطلوبة طبقاً لتلك التوصيات وذلك بالاستعانة بشركة/ شركات استشارية دولية، على أن تتولى تلك اللجنة وضع القواعد الإجرائية المنظمة لعملها، وأن يتم الانتهاء من تنفيذ الدراسات المطلوبة خلال ستة أشهر بدءاً من شهر أيلول (سبتمبر) الجاري. كما تضمنت تصريحات بعض المسؤولين عقب الاجتماع بأن رأي الشركة الاستشارية المنفذة للدراسات يعد إلزامياً للدول الثلاث. يلاحظ تزامن عملية تنفيذ سد النهضة مع أحداث ثورة يناير عام 2011 ومرور مصر بحالة من عدم الاستقرار الداخلي، ما انعكس على دورها في محيطها الإقليمي وأغرى الآخرين بفعل ما يريدونه من دون الاكتراث برد فعلها. إلا أن ما تمخض عنه الاجتماع الوزاري الرابع لوزراء مياه دول حوض النيل الشرقي يعد أفضل ما أنجزته مصر على صعيد المسار التفاوضي، إذ إنه وللمرة الأولى توافق أثيوبيا على أن ما يصدر عن لجنة تنفيذ الدراسات المطلوبة ملزم لحكومات الدول الثلاث، إذ إن اللجنة الثلاثية لدراسة آثار سد النهضة على دولتي المصب والتي تشكلت عام 2011 لم تكن قراراتها ملزمة للدول، وورد في الشروط المرجعية لتلك اللجنة أن سد النهضة تحت الإنشاء (أي أن عمل اللجنة لا يوقف عملية تنفيذ السد) إلا أنه تظل هناك مخاوف من أن تنتهج أثيوبيا سلوكها نفسه في اللجنة الثلاثية فيستمر عمل لجنة الخبراء المحليين لأكثر من ستة أشهر، وبالتالي نرى السد حقيقة واقعة من دون استكمال تقييم آثاره. كما أنه بالنظر في تصريحات المسؤولين المصريين نجد تحولاً في الموقف المصري من رافض لإنشاء السد إلى مقر بحقيقة السد ساعياً لتجنب آثاره فقط وليس ساعياً لعدم إقامته في ضوء ما يمثله النيل من أهمية لذلك البلد الذي لا يمتلك مصدراً آخر للمياه العذبة غير نهر النيل على عكس باقي دول حوض النيل التي تتمتع بكميات وفيرة من مياه الأمطار تغنيها عن ما يصل إلى مصر من المياه. * كاتب مصري