سعت الرئاسة المصرية إلى احتواء الأزمة السياسية من دون تقديم تنازلات كبيرة، فأعلنت عبر اللجنة المشرفة على الاستفتاء على مشروع الدستور الذي كان مقرراً أن يبدأ اليوم في الخارج إرجاء الاستفتاء إلى الأربعاء المقبل، بعدما انسحبت قوات الحرس الجمهوري من محيط قصر الاتحادية الرئاسي أمس مفسحة المجال أمام طوفان من المتظاهرين للوصول إلى أسوار القصر بعد يوم من المسيرات الحاشدة التي خرجت من مختلف المساجد والميادين احتجاجاً على تمسك الرئيس محمد مرسي بالإعلان الدستوري وبإجراء الاستفتاء على الدستور في موعده. وقاطعت المعارضة حواراً دعا إليه مرسي اليوم للاتفاق على «خريطة الطريق» بعد الاستفتاء. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن نائب الرئيس محمود مكي قوله ان مرسي «على استعداد للموافقة على إرجاء الاستفتاء على الدستور شرط تحصين هذا التأجيل من الطعن أمام القضاء». وأضاف: «نحن محكومون بمادة (في الإعلان الدستوري) تلزم الرئيس بعرض مشروع الدستور (بعد تلقيه) على الاستفتاء في مدة لا تتجاوز 15 يوماً... ويجب أن تقدم القوى السياسية التي ترغب في الإرجاء ضمانة حتى لا يتم الطعن بعد ذلك على قرار الرئيس ولا يتهم بمخالفة الإعلان الدستوري». وعُلم أن مشاورات جرت مساء أمس بعدما حاصرت الحشود القصر مجدداً بين رؤساء أحزاب «غد الثورة» أيمن نور و «الوسط» أبو العلا ماضي و «مصر القوية» عبدالمنعم أبو الفتوح لطرح مبادرة لحل الأزمة. وقال نور ل «الحياة» إن «المبادرة تتضمن ذهاب المعارضة إلى جلسة الحوار (اليوم) في مقابل إعلان الرئاسة إرجاء استفتاء المصريين في الخارج على الدستور» إلى الأربعاء. وقبل صدور قرار الإرجاء، أبدت «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تضم أبرز قوى المعارضة مساء مرونة بعدما رفضت عرض الحوار. وقال المنسق العام للجبهة محمد البرادعي: «نحن مع الحوار الذي لا يقوم على سياسة لي الذراع وفرض الأمر الواقع». واقتحم متظاهرون مقرات لجماعة «الإخوان المسلمين» في محافظات عدة بعد الهجوم على مقرها الرئيسي في حي المقطم في القاهرة. وانتقدت الجماعة الشرطة، متهمة إياها بتسهيل الأمر. ودارت «حرب شوارع» سقط فيها عشرات المصابين بين أنصار الجماعة ومعارضيها، خصوصاً في محافظات الشرقيةوالغربيةوكفر الشيخ والبحيرة. وشهدت بعض الصدامات تبادلاً لإطلاق النار. وتجاوز عشرات الآلاف من المتظاهرين أمس الحواجز الحديد والسلك الشائك وحتى الجدران الخرسانية التي نصبتها قوات الحرس الجمهوري، حول القصر الرئاسي في القاهرة، بعد أن انسحبت من مواقعها في محيطه القصر، وتمترست أمام أبوابه، نظراً إلى إصرار المتظاهرين على التقدم ناحية أسوار القصر الذي طوقته حشود ضخمة من المعارضة، واعتلى بعض الشباب سور القصر. وفور تمكن المعارضة من اقتحام الحواجز الأمنية، أعلن ناشطون في جماعة «الإخوان» ما اسموه «النفير العام» والاستنفار في صفوفهم استعدادا للنزول إلى الشارع، وسط مخاوف من تجدد الاشتباكات بين الطرفين قرب القصر. وكانت القاهرة شهدت عشرات المسيرات المعارضة انطلقت من ميادين ومساجد عدة توجهت صوب القصر الجمهوري وميدان التحرير في مليونية «الكارت الأحمر». وردد المشاركون فيها شعارات وهتافات حملت هجوماً غير مسبوق على مرسي. ويعقد قادة «جبهة الإنقاذ الوطني» اجتماعاً اليوم يعقبه مؤتمر صحافي بالتزامن مع جلسة الحوار التي دعا إليها الرئيس وباتت من دون جدوى في ظل مقاطعة غالبية قوى المعارضة لها واقتصار الحضور على حلفاء الرئيس من التيارات الإسلامية أو الأحزاب الصغيرة غير المؤثرة على حركة الشارع. ويعقد مرشد جماعة «الإخوان» محمد بديع مؤتمراً صحافياً في مقر الجماعة الرئيسي الذي هاجمه عشرات وحطموا قطعاً من أثاثه وأجهزة الحاسب الآلي فيه بعد مناوشات مع القوة الأمنية المكلفة بحمايته أطلقت خلالها الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشود الغاضبة عقب انتهاء الرئيس من إلقاء خطابه. وحملت الجماعة في بيان الشرطة مسؤولية اقتحام مقرها. ولمحت إلى دور لقوات الأمن في «الانسحاب المفاجيء أمام المعتدين ما أغراهم بحرق المقر الرئيس ونهب محتوياته». وحذرت من «فوضى لا تُبقي ولا تذر» إن «اضطر كل فرد وجماعة إلى الدفاع عن نفسه وإلى أخذ حقه بيده». وفي المحافظات، بدا الموقف أكثر اشتعالاً إذ شهدت مدينة كفر الشيخ مواجهات مسلحة بين أنصار «الإخوان» ومعارضيهم أمام مقر الحزب الحاكم، كما وقعت اشتباكات عنيفة قرب منزل الرئيس في مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية ودارت حرب شوارع في المنطقة، وتكرر الأمر في الغربية إذ شهدت مدينة المحلة اشتباكات عنيفة أيضا وكذلك محافظة البحيرة. واندلعت تظاهرات معارضة حاشدة في الاسكندرية وأسيوط والمنيا. وكان مرسي وجه خطاباً إلى المصريين مساء أول من أمس لم يلبِ فيه مطالب المتظاهرين بإلغاء الاعلان الدستوري كما تمسك بإجراء الاستفتاء في موعده. ودعا القوى السياسية إلى حوار معه ظهر اليوم، وحدد سلفاً أجندة الحوار ببعض النقاط مثل استمرار مجلس الشورى ونظام الانتخابات المقبلة وخريطة الطريق بعد الاستفتاء، ما زاد حدة الغضب ضده. وأمام زيادة الغضب خرج وزير العدل أحمد مكي لمحاولة التخفيف من وطأة الأمر. وكشف تفاصيل اجتماعه مع الرئيس أول من أمس، مؤكداً انفتاح مرسي على إلغاء الإعلان الدستوري برمته وإرجاء الاستفتاء على الدستور، وهي أمور لم يتناولها مرسي في خطابه. وأوضح أنه تقدم إلى مرسي باقتراحات تتضمن إلغاء الإعلان الدستوري وإرجاء الاستفتاء على الدستور من أجل منح الفرصة للحوار «وأبدى الرئيس انفتاحه إزاء تلك الاقتراحات لكنه أبدى قلقه من أنه في حال اتخذ تلك القرارات يمكن الطعن على إرجاء الاستفتاء لتعارضه مع الإعلان الدستوري الذي يلزمه بالدعوة إلى الاستفتاء خلال 15 يوماً كحد أقصى منذ تسلمه مشروع الدستور، وتم الاتفاق على أن ما ستتوافق عليه القوى السياسية والرئيس يتم صوغه في وثيقة تعرض على رؤساء المحاكم لصوغها في شكل قانوني يمنع الطعن عليها». وشدد على أن لديه «ضمانات بتنفيذ الرئيس ما يتم التوافق عليه مع القوى السياسية». في المقابل، حاصر مئات الإسلاميين أمس مدينة الانتاج الإعلامي في مدينة 6 أكتوبر (جنوبالقاهرة)، قبل أن تقع بينهم وبين الشرطة اشتباكات محدودة، عندما حاول الإسلاميون دخول استديوات المدينة والقاء الحجارة والمفرقعات على مبانيها. وسرعان ما تمكنت الشرطة من تطويق المتظاهرين الذين أعلنوا الاعتصام أمام أبوابها «حتى يتم تطهير الإعلام».