كان كافياً احتلال الألماني سيباسيتان فيتيل المركز السادس في جائزة البرازيل الكبرى، المرحلة ال20 الأخيرة من بطولة العالم لسباقات سيارات فورمولا واحد، للاحتفال بلقبه الثالث توالياً، في الوقت الذي حصد فيه سائق ماكلارين مرسيدس البريطاني جنسون باتون المركز الأول، في سباق مجنون تقلّبت فيه الصدارة والمعطيات مرات عدة. وظفر فيتيل باللقب العالمي مع فريق «رد بُل رايسينغ»، رافعاً رصيده في الصدارة بفارق 3 نقاط، إذ جمع 281 نقطة في في مقابل 278 نقطة لمطارده المباشر سائق فيراري الإسباني فرناندو ألونسو (بطل العالم عامي 2005 و2006) الذي حلّ ثانياً، بينما جاء زميله البرازيلي فيليبي ماسا ثالثاً. وكاد فيتيل يخسر كل شيء في بداية السباق عندما ارتطمت سيارته بالجناح الخلفي لسيارة سائق وليامس البرازيلي برونو سينا، علماً بأنه دخل المرأب 4 مرات لتغيير الإطارات قبل أن ينهيه في المركز السادس أمام مواطنه سائق مرسيدس «الأسطورة» ميكايل شوماخر الذي خاض سباقه ال 307 الأخير في مسيرته الإحترافية، علماً بأن مواطنهما نيكو هالكنبرغ (فورس إينديا) حلّ خامساً بعدما قدّم سباقاً رائعاً. وأضحى فيتل (25 سنة) ثالث متسابق يحرز اللقب العالمي 3 مرات متتالية بعد الأرجنتيني خوان مانويل، مجدداً، هيّمن فيتيل وفريقه على فعاليات الموسم، فارضين معادلة بأنه يمكن لفريق قادم من خارج نادي المصنّعين التقليديين فرض حضوره في حال كانت خياراته صائبة. ولم يتخيّل أحد يوم شراء البليونير النمسوي ديتريتش ماتيشيتز مالك شركة ريد بُل لمشروبات الطاقة، لفريق جاغوار رايسينغ، أن يترجم الشعار الشهير لشركته «ريد بُل تمنحك أجنحة» على أرض الواقع في بطولة العالم لسباقات الفورمولا واحد. الا أن ما حصل في السنوات التي أعقبت هذه الصفقة التي رأها البعض تجارية وتسويقية بحتة، هو تحليق الفريق النمسوي وظهوره في أحيان كثيرة بمستوى يفوق بأشواط منافسيه الذين يملكون تاريخاً طويلاً في عالم الفئة الاولى، إذ تخطت نجاحات ريد بُل عراقة أنجح الفرق على الإطلاق، أمثال فيراري وماكلارين مرسيدس ووليامس. تركيبة ناجحة الشركة النمسوية الناجحة في مجالها لم تكن بعيدة عن عالم الرياضة أصلاً، وذلك من خلال رعايتها لفرق أو رياضيين حول العالم في منافسات المغامرة، وهذا ما انسحب أيضاً على سباقات السيارات. إلا أن ضربتها الكبرى كانت في فورمولا واحد بعدما سجلت سابقاً حضوراً عبر عقد رعاية أبرمته مع فريق ساوبر، إضافة إلى رعايتها برنامجاً لتخريج السائقين الموهوبين حتى حصلت بنفسها على تركيبة ناجحة على صعيد المهندسين والسائقين الذين جعلوا من ريد بُل رايسينغ العلامة الفارقة في الفورمولا واحد. لكن سرّ نجاح فريق ريد بُل يعود إلى رجل واحد، من دون مبالغة، وهو المهندس البريطاني أدريان نيوي، الذي استفاد من تغيير القوانين بين 2008 و2009، ليترجم أفكاره الخاصة بالديناميكية الهوائية على سيارة أصبح من الصعب على الخصوم نسخ جودتها، وقد ترافق هذا الأمر مع وصول الموهبة الاستثنائية بطل العالم فيتيل الذي لمع أصلاً مع فريق سكوديريا تورو روسو المدعوم من ريد بُل. ولم يكن يُتوقّع أصلاً من نيوي غير النجاح في ريد بُل، إذ إن الرجل يملك تاريخاً استثنائياً في سباقات الفئة الاولى، فخلال عقد التسعينات، إذ عمل مع وليامس وماكلارين، تمكن من تصميم سيارة فازت بستة من أصل 10 ألقاب للمصنّعين، حاملاً البريطانيين نايجل مانسيل ودايمون هيل والكندي جاك فيلنوف والفنلندي ميكا هاكينن إلى لقب السائقين أيضاً، وهو عرف أنه في الطريق الصحيحة إلى المجد عندما وجّه سيارتي ريد بُل إلى خط النهاية في سباق الصين عام 2009 إذ حلّ فيتيل أول وخلفه زميله الأسترالي مارك ويبر، في أول انتصار للفريق النمسوي. ومع نيوي وفيتيل كان هناك عقل مفكر يدعى كريستيان هورنر، إذ إن البريطاني أصبح في ال31 من عمره أصغر شخص يدير فريقاً للفورمولا واحد، وذلك عندما تسلّم مهامه مع ريد بُل عام 2005. ومعروف عن هورنر كيفية مساعدته السائقين على بلوغ مرحلة معيّنة من النضج، وهذا ما وصل اليه فيتيل بعدما سمّاه مدير فريق ماكلارين البريطاني مارتن ويتمارش «فتى الحوادث»، إذ إن الألماني ظهر بارعاً ونظيفاً على الحلبة. وما يكشف عنه هورنر ونيوي يعكس صورة واضحة عن كيفية عمل الفريق كوحدة متماسكة، إذ يؤكد الأول أن التواصل هو مسألة أساسية في عمل الكادر المؤلف من 550 شخصاً، الذي تمكّن من كسر التقاليد التي حكت دائماً قصصاً أسطورية عن الشركات المصنعة للسيارات السريعة التي قدمت الأبطال العالميين في الماضي. يلفت فيتل إلى أنه والفريق يكبران معاً، وعقده الممتد حتى نهاية موسم 2014 يحفزه لتقديم مزيد من الانتصارات والألقاب.