على رغم العاصفة الديبلوماسية التي تتعرض لها إسرائيل منذ أيام من الولاياتالمتحدة واوروبا على خلفية قرارها بناء آلاف الوحدات السكنية وتسريع مخطط للبناء يبتر القدسالشرقية عن سائر أرجاء الضفة الغربية، بدت الحكومة الإسرائيلية كأن صرخات العالم في واد وهي في واد آخر، وليس فقط أنها رفضت الطلب الأميركي–الأوروبي التراجع عن قراراتها، بل تحدت العالم بقرار آخر يقضي بإحياء مخطط لبناء 1600 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة «رمات شلومو» في القدسالشرقية كانت جمدته قبل نحو ثلاث سنوات تحت ضغط أميركي. وغداة استدعاء عدد من وزارات الخارجية الأوروبية لسفراء إسرائيل في بلادها لتوبيخهم على قرار توسيع الاستيطان في القدسالمحتلة والضفة الغربية، جاء من مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أن إسرائيل «ستواصل الدفاع عن مصالحها الحيوية حتى في وجه الضغوط الدولية، ولن يطرأ تغيير على القرار الذي اتخذته، وإذا واصل الفلسطينيون اتخاذ خطوات أحادية الجانب فسترد عليها إسرائيل». وذكرت تقارير صحافية أن لجنة التنظيم والبناء اللوائية في القدس ستبحث بعد أسبوعين في المخطط الإشكالي لبناء 1600 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة رمات شلومو على أراضي مخيم شعفاط في القدسالشرقيةالمحتلة، وهو المخطط الذي أعلنته إسرائيل قبل نحو ثلاث سنوات مع زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ما أثار توتراً مع واشنطن تراجع مع تعليق إسرائيل المخطط ومخططات أخرى مماثلة. ويسود الاعتقاد لدى أوساط نتانياهو أن الإدارة الأميركية هي التي تقف وراء كواليس التحرك الأوروبي «غير المسبوق بحدته» ضد إسرائيل، إذ يتزامن هذا التحرك مع انتقادات شديدة يوجهها قريبون من الرئيس الأميركي على سلوك نتانياهو وحكومته. وتحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن «جباية الثمن» الأوروبية على قرارات حكومة نتانياهو وعقوبات قد تفرضها دول الاتحاد الأوروبي على إسرائيل. ووصفت رد الفعل الأوروبي ب «تسونامي ديبلوماسي»، فيما تحدث معلقها السياسي عن «واقع جديد» تعيشه إسرائيل في علاقاتها مع أوروبا والولاياتالمتحدة. ولفتت إلى أن «بيانات التنديد الفورية للدول الأوروبية لم تكن هامشية هذه المرة، إنما هجوم شديد اللهجة وقاطع الوضوح». ونقلت عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن «التحرك أوروبي لكن اليد أميركية»، مضيفاً أنه ليس متأكداً ما إذا كانت أوروبا ستنفذ تهديداتها بالاقتصاص من إسرائيل، «لكنها تبدو كمن خلع القفازات». من جهة أخرى، اعتبرت مصادر في وزارة الخارجية سلوك الدول الأوروبية تدخلاً في الانتخابات في إسرائيل من خلال نقلها رسالة إلى الإسرائيليين تقول إن من يصوت لنتانياهو يصوت عملياً لجعل إسرائيل «دولة جرباء». وأشارت الصحيفة إلى أن مرد الغضب الأميركي–الأوروبي هو قرار الحكومة الإسرائيلية إحياء مخطط البناء في المنطقة «إي -1» إذ ترى الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أن تنفيذ الخطط يعني القضاء نهائياً على عملية السلام. وكتب المعلق السياسي في الصحيفة شمعون شيفر، أن إسرائيل تمر الآن بواقع لم تعرفه من قبل، يتمثل بنية اوروبا «تحديد تسعيرة» لسلوك إسرائيل في الأراضي المحتلة. ونقل عن مسؤول أوروبي قوله إن «الإسرائيليين سيشعرون على جلدهم بثمن قرارات زعمائهم» وإن دولاً أوروبية لن تتردد في اتخاذ عقوبات حقيقية، مثل تعليق اتفاقات تجارية وتأشير منتجات المستوطنات لمقاطعتها، وخفض مستوى العلاقات الديبلوماسية. وأضاف أن «نتانياهو تصرف كرئيس عصابة» وليس كرئيس دولة عضو في الأممالمتحدة، «وقد هزّنا قراره توسيع الاستيطان، لأنه يعني أن كلامه عن حل الدولتين فارغ المضمون». وحذر المعلق في «معاريف» شالوم يروشالمي، من أن تفقد إسرائيل «بسبب عنجهية نتانياهو»، أصدقاءها الأوروبيين، الذين يشكلون «الحزام النوعي والأخلاقي والديبلوماسي الأهم بالنسبة إليها، فالولاياتالمتحدة تندد بنا مرتين، وفرنسا تلوح بعقوبات وبريطانيا وإسبانيا والدانمارك تدرس احتمال استدعاء سفرائها في تل أبيب، أما نتانياهو فباقٍ على تعنته، يصادق على قرارات، يعاقب الفلسطينيين ويوبخ كل العالم، الجميع بنظره صغار، أما هو فيقف على رأس القلعة». وهاجمت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها «السياسة الهوجاء» لنتانياهو التي ستزيد من عزلة إسرائيل. وأضافت أنه لا يحق لنتانياهو ووزراء حكومته إدخال إسرائيل في هذه العزلة وتكبيدها ثمناً باهظاً «لا يمكن تفسيره على أنه استثمار في الأمن القومي، بل نزوة يمكن أن تدهوِر مكانة إسرائيل إلى أسفل الدرك الأسفل».