أكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني استمرار مسيرة الإصلاح «المتدرجة والنابعة من الداخل» بوصفها «الخيار الأفضل» لحماية الأردن من الفوضى والتحديات الإقليمية. جاء ذلك في ورقة نقاشية هي الخامسة، ضمن سلسلة أوراق ينشرها العاهل الأردني منذ سنتين لعرض رؤيته لمسيرة الإصلاح الشامل في المجالات المختلفة، وحملت عنوان: «تعميق التحول الديموقراطي: الأهداف والمنجزات والأعراف السياسية». (لقراءة النص الكامل للورقة) وقال العاهل الأردني: «اليوم، ورغم وقوع أجزاء من منطقتنا ضحية للصراع المذهبي والإرهاب والفكر المتطرف، وما يعنيه ذلك من اختطاف مستقبل جيل كامل، إلا أنني أؤمن بأن مسيرتنا الإصلاحية الأردنية المتدرجة والنابعة من الداخل، التي تضمن مشاركة جميع أبناء وطننا وبناته في بناء مستقبلهم، هي الخيار الأفضل والأكثر ثباتاً واستدامة لحماية بلدنا الغالي من الفوضى التي حولنا. فالتحديات ليست عذراً لتأجيل أجندتنا الإصلاحية، بل تحويلها، كما هو حالنا دائماً في الأردن، إلى فرص». وبعد أن أشار إلى أن الهدف النهائي لرؤيته الإصلاحية هو تأسيس «ديموقراطية أردنية متجددة وحيوية تقوم على ثلاث ركائز، هي: ترسيخ متدرج لنهج الحكومات البرلمانية، تحت مظلة الملكية الدستورية، معززاً بمشاركة شعبية فاعلة أو ما وصفتُه بالمواطنة الفاعلة»، أوضح أنه يسعى في هذه الورقة «إلى الوقوف على محطات الإنجاز التي تم تحقيقها على ثلاثة مسارات متوازية (التشريعية، والمؤسسية، وتطور أطراف المعادلة السياسية)، إضافة إلى عرض محطات الإنجاز التالية التي لا بد من تحقيقها، خصوصاً منظومة القيم والممارسات والأدوار والأعراف التي يجب أن نستمر في تعميقها». وتطرق العاهل الأردني الى أهم المنجزات على المسارات الثلاثة: ففي إطار «الإنجاز التشريعي»، أشار إلى «إقرار تعديلات دستورية ترسخ منظومة الضوابط العملية لمبادئ الفصل والتوازن بين السلطات، وتعزِّز الحريات، وتستحدث مؤسسات ديموقراطية»، إضافة إلى «إنجاز حزمة من التشريعات الناظمة للحياة السياسية... شملت: قوانين الانتخاب، والأحزاب السياسية، والاجتماعات العامة». وأضاف انه تم «تطبيق قانون معدِّل لقانون محكمة أمن الدولة يحصر اختصاصها في جرائم الخيانة، والتجسس، والإرهاب، والمخدرات، وتزييف العملة، بما يكرّس المبدأ العام لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم المدنية فقط». وتابع أن «آخر الإنجازات يتمثّل في التقدم النوعي الذي أحرزه مجلس النواب في تطوير نظامه الداخلي ليكون أكثر فاعلية». ثم أشار العاهل الأردني إلى «محطات الإنجاز المؤسسي»، لافتاً إلى «إنشاء محكمة دستورية تختص بتفسير نصوص الدستور والرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة»، و «استحداث هيئة مستقلة للانتخاب»، و «تأسيس مجلس النواب مركزاً للدراسات والبحوث التشريعية يدعم عمل النواب واللجان النيابية المتخصصة... كما شهدنا جهوداً حثيثة لتعزيز الشفافية»، و «استمرار العمل في تدعيم السلطة القضائية وتعزيز منظومة وطنية قوية للنزاهة والشفافية والمساءلة»، و«الاستمرار في دعم المركز الوطني لحقوق الإنسان وشبكة من المؤسسات المعنية بحقوق الإنسان»، وتابعة العمل في مسارات برنامج تطوير القطاع العام من خلال البناء على ما تم إنجازه من دمج المؤسسات ضمن مسار إعادة الهيكلة، والاستمرار في تحسين مستوى الخدمات الحكومية، وتنمية الموارد البشرية، وتطوير آليات صناعة القرار»، و«أخيراً، وفي إطار مساعينا نحو حكومة برلمانية ناضجة، فإن العديد من الإصلاحات يتم تطبيقه الآن في مؤسساتنا الأمنية الوطنية... وفي خطوة إصلاحية لا تقل أهمية، فإن الحكومة تعكف حالياً على تفعيل دور وزارة الدفاع لتتولى مسؤولية جميع الشؤون الدفاعية غير القتالية، ولتكون بالطبع جزءاً من الحكومة وخاضعة لرقابة مجلس الأمة». كما تطرق العاهل الأردني إلى محطات التطور الخاصة بأطراف المعادلة السياسية، وتشتمل على تحديد القيم والممارسات الجوهرية التي غدت ضرورية لعملية تحول ديموقراطي ناجحة نحو الحكومات البرلمانية معروفة لجميع الأردنيين، وتشتمل على الاعتدال، والتسامح، والانفتاح، والتعددية، وإشراك جميع مكونات المجتمع، واحترام الآخرين والشعور بهم، واحترام سيادة القانون، وصون حقوق المواطن، وتأمين كل طيف يعبّر عن رأي سياسي بفرصة عادلة للتنافس عبر صناديق الاقتراع، إضافة الى تبني الممارسات الديموقراطية الأساسية التالية بهدف استمرار «ربيعنا الأردني»، وهي: «احترام مبدأ الحوار وتبنيه في سبيل تجاوز الاختلافات، والتلازم بين حقوق المواطنين وواجباتهم، والشراكة في بذل التضحيات ونيل المكاسب، وتحويل الاختلافات إلى حلول توافقية، والمشاركة الفاعلة من قبل جميع المواطنين والمواطنات. كما يترتب على جميع أطراف المعادلة السياسية، الملكية، وأعضاء مجلس الأمة، والحكومة، والأحزاب السياسية، والمواطنين، تبني هذه القيم». وبعد أن لخص الملك عبدالله ما تم تحقيقه، تطرق إلى المرحلة التالية التي لا بد من عبورها وإنجازها، داعياً «المشرّعين الى وجوب تطوير القوانين السياسية الرئيسة، بما يضمن التوافق والارتقاء بتجربة الحكومة البرلمانية. كما يجب أن تُعطى الأولوية لقوانين الحكم المحلي عبر إنجاز قوانين الانتخابات البلدية واللامركزية أولاً. وفور الانتهاء من إنجاز هذين التشريعين المهمين، يجب أن نمضي قدماً نحو إنجاز قانون انتخاب جديد». ودعا الحكومات الى «الاستمرار في تطوير أداء القطاع العام والجهاز الحكومي، بحيث يكونا على أعلى مستويات المهنية والموضوعية والحياد السياسي»، كما دعا «الأحزاب السياسية إلى الاستمرار في تطوير نظمها الداخلية بحيث تتطور إلى أحزاب برامجية ذات كفاءة وتأثير وحضور على مستوى الوطن». وحض السلطة القضائية على «الاستمرار في بناء قدراتها، لأن العدل هو أساس الحكم، بالإضافة إلى تطوير قدرات المحكمة الدستورية، والهيئة المستقلة للانتخاب»، كما حض «اللجنة الملكية لتقويم العمل ومتابعة الإنجاز لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية، على الاستمرار في متابعة وتقويم تنفيذ توصيات اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية». كذلك دعا «مؤسسات المجتمع المدني... إضافة إلى القطاع الخاص، إلى لعب دور أكبر في... تقديم حلول للتحديات التي تواجهها المملكة». ومن أجل الحفاظ على التوازن الدقيق بين السلطات المختلفة، دعا إلى اعتماد «الأعراف السياسية»، أي القدرة على اتخاذ أفضل القرارات في مواقف غير محكومة بقواعد أو أنظمة مدونة. كما دعا كلاً من مجلس الأمة والحكومة وأجهزتها الى تطوير الأعراف القائمة وإرساء أعراف جديدة في ظل بروز تغيرات وتحديات.